له النظر فيها، وشرط الإجماع أن يكون كل عضو مدركا لاستقلاله الأدبي ولمسئوليته الأخلاقية وأن يعبر عن رأيه في حرية، بعد تأمل ناضج في المشكلة المعروضة ولا أحد يمكن أن يكون مجتهدا في هذه الجماعة إلا إذا كان له حق الاجتهاد، أما من له هذا الحق فهم أولئك الذين توفرت فيهم الشروط التي نص عليها العلماء في هذا الشأن، وقد كان الشافعي- رحمه الله- من أسبق من جمع الآلة التي له القياس بها، وهي العلم بأحكام كتاب الله، فرضه وأدبه، وناسخه ومنسوخه، وعامّه وخاصّه وإرشاده، ويستدل على ما احتاج التأويل منه بسنن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإذا لم يجد سنّة فبإجماع المسلمين، فإن لم يكن إجماع فبالقياس، ولا يمكن أن يقيس حتى يكون عالما بما مضى فيه من السّنّة وأقاويل السلف، وإجماع الناس واختلافهم ولسان العرب، وعليه في ذلك بلوغ غاية جهده، والإنصاف من نفسه حتى يعرف من أين قال ما قال، وترك ما يترك. فأما من تمّ عقله ولم يكن عالما بما وصفنا فلا يجوز أن يقول بقياس، ومن كان عالما بما وصفنا بالحفظ لا بحقيقة المعرفة فليس له أيضا أن يقول بقياس، لأنه قد يذهب عليه عقل المعاني (?) ، وقد استنبط بعض الباحثين شروطا أخرى للمجتهد ليس هنا محل تفصيلها (?) . ولينظرها من شاء في مظانها من كتب الأصوليين.

(د) المصدر الرابع: القياس:

القياس يفترض وجود حالة نقيس عليها، تمثل بها الحالة الجديدة، وعلى ذلك فالحالة الأصلية ينبغي أن يكون قد سبق لها ذكر في القرآن أو في السنة، أو في الإجماع، ولذا يعرف بأنه «إثبات حكم معلوم في معلوم آخر لاشتراكهما في علة الحكم عند المثبت» (?) .

وللقياس حجيته، ولهذه الحجية أدلتها من القرآن، والسنة، والإجماع (?) . ومهما قيل في أمر القياس فإننا لا نجد وراء جهود الفقهاء إلا التوصل إلى المنبع الوحيد الذي يستقي منه الناس جميعا هو حكم الله وهو الحكم الذي أثبته القرآن، ثم الحديث، فالإجماع فالقياس. فالله سبحانه هو إذن المشرع، وليس الآخرون سوى مقررين لأمره وحكمه، بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015