يَعْدِلُونَ (الأعراف/ 159) وقوله عزّ من قائل:
وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (السجدة/ 24) ، ثمّ في معظم الأحيان تبلغ حملته عليهم حدّا رهيبا من التّقريع والتّنديد، والذّمّ والتّوبيخ والسّبب في هذا الموقف القرآنيّ هو الإنصاف التّامّ لهم، وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، وكلّ ذي باطل ما يستحقّه، فهو يمدحهم إن أحسنوا وأطاعوا، وهو يذمّهم إن عاندوا وشاقّوا، وقد كان من تمام إنصافه عزّ وجلّ معهم أنّه دائما يستثني منهم القلّة الصّالحة- على ندرتها- كما قال تعالى: وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ (المائدة/ 13) (?) .
لقد أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بإنصاف أهل الذّمّة والمستأمنين، ونهى عن ظلمهم في أحاديث كثيرة، فهو القائل صلّى الله عليه وسلّم: «من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة» (?) . وقال صلّى الله عليه وسلّم: «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنّة (?) . وإنّ ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما» (?) .
وحرص الخلفاء الرّاشدون والصّحابة على ذلك، فها هو عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- يوصي بأهل الذّمّة قائلا: «أوصيكم بذمّة الله فإنّها ذمّة نبيّكم ورزق عيالكم» .
وروى مسلم عن المستورد بن شدّاد القرشيّ أنّه حدّث عن عمرو بن العاص فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «تقوم السّاعة والرّوم أكثر النّاس» .
فقال عمرو: أبصر ما تقول، قال: أقول ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: لئن قلت ذاك إنّ فيهم لخصالا أربعا: إنّهم أحلم النّاس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرّة بعد فرّة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك» . فانظر إلى إنصاف عمرو وذكره ما يعلمه من الخصال الحسنة للرّوم، مع أنّنا لا نشكّ في براءته منهم وعداوته لهم.
وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عبد الله بن رواحة إلى خيبر ليخرص لهم الثّمار، فأرادوا أن يرشوه، فقال عبد الله: «يا معشر اليهود، أنتم أبغض الخلق إليّ، قتلتم أنبياء الله- عزّ وجلّ-، وكذبتم على الله، وليس يحملني بغضي إيّاكم على أن أحيف عليكم. فقال اليهود: بهذا قامت السّموات والأرض» (?) .
قال الحافظ بن عبد البرّ: وفيه أنّ المؤمن وإن