للابتلاء- بأنواعه المختلفة ومظاهره العديدة- دور عظيم في تربية النفوس، وتدريبها على تحمل المشاق، وتهيئتها لمواجهة أي ظرف طارىء أو محتمل، كما أن فيها تدريبا للقوى العقلية والذهنية وتوجيها لها كي تسير على المنهج السوي الذي يحقق الغاية المرجوة منها، كما أن في ذلك حماية لها من الزيغ والانحراف،
إن المبتلى بالذنوب أو بالضراء يصبح لديه من الخبرة ما يمكنه من معالجة ذلك مستقبلا معالجة صحيحة، يقول ابن القيم: المبتلى بالذنب يصبح كالطبيب المجرب الذي عرف المرض مباشرة، ومن ثم فهو يعرف كيف يعالجه علاجا صحيحا، وهذا معنى قولهم: أعرف الناس بالآفات (?) أكثرهم آفات. وهذه قيمة معرفية أولا، وهي ثانيا قيمة عملية تفيد في معالجة الحالات المماثلة، يقول ماجد الكيلاني: الابتلاء تربية بالخبرة هدفها فهم الخير وتذوق جماله، وفهم الشر والنفور من قبحه، ومن خلال هذا الفهم وهذا التذوق تتحقق غاية مهمة من غايات الابتلاء وهي إدراك عظمة النعم الإلهية على الإنسان، ثم يكون من وراء ذلك الابتلاء نوع من الترقي العقلي والاجتماعي، لأن الإنسان حين يمتحن بموقف معين ثم يتبع الأساليب الصحيحة لمعالجته تتكون لديه خبرة صحيحة بطبيعة المواقف الزمنية، والأشياء الكونية، ويعرف الأساليب الصحيحة لمعالجتها. وحين يخطىء هذه الأساليب الصحيحة فإنه يقف على خطورة الانحراف عن قوانين الأشياء ويعرف الآثار السيئة للأساليب الخاطئة. ويكون ثمرة ذلك كله ارتقاء النوع الإنساني (?) .
إن تربية الإنسان وتأديبه يقتضيان في بعض الأحيان إذاقته بعض ما يكره من المصائب أو الآلام، وعندئذ تكون مصلحة الإنسان نفسه هي التي اقتضت أن يصيبه من الله عز وجل بعض الابتلاءات التي تتربى بها نفسه وتتهذب عن طريقها أخلاقه (?) . وهنا تكون «تربية النفوس على تحمل ألوان الحياة المختلفة الخاضعة لسنن ثابتة عامة ضمن مقادير الله الكبرى، وهذه الحكمة التربوية ذات فلسفة عظيمة في سر الألوان المتضادة التي تتعرض لها الحياة، إن اللذة لا تعرف قيمتها إلا بالألم، وإن الجميل لا يعرف جماله ما لم تعرف صورة القبح، وإن الكمال لا يدرك كماله إلا بالنقص، وبضدها تتميز الأشياء (?) » .