قال النّيسابوريّ: الأمانة هي الطّاعة وهي التّكليف، ثمّ ذكر أنّ التّكليف هو الأمر بخلاف ما في الطّبيعة (?) ، وهذا النّوع ليس في السّموات والأرض والجبال، لأنّ السّموات لا يطلب منها الهبوط، والأرض لا يطلب منها الصّعود ولا الحركة، والجبال لا يطلب منها السّير، وكذا الملائكة مهتمّون بالتّسبيح والتّقديس، (وإنّما في الإنسان وحده) ، وسمّي التّكليف أمانة لأنّ من قصّر فيه فعليه الغرامة ومن أدّاه فله الكرامة، وعرض الأمانة بهذا المعنى على هذه الأجرام وإباؤها من حملها هو لعدم صلوحها لهذا الأمر، وقد خصّ بعضهم التّكليف بقول: «لا إله إلّا الله عزّ وجلّ، قال النّيسابوري: والأظهر عندي أنّ الأمانة هي الاستعداد الّذي جبل كلّ نوع من المخلوقات عليه، وحمل الأمانة عبارة عن عدم أداء حقّها، كما يقال: فلان ركب عليه الدّين، فكلّ من أخرج ما في قوّته إلى الفعل فهو مؤدّ للأمانة وقاض حقّها، وإلّا فهو حامل لها، ولا ريب أنّ السّموات مسخّرات بأمر الله كلّ يجري لأجل مسمّي، والأرض ثابتة في مستقرّها، والجبال راسخة في أمكنتها، وهكذا كلّ نوع إلّا الإنسان، فإنّ كثيرا من الأشخاص، بل أكثرها مائلة إلى أسفل سافلين، فلا جرم إن لم يقض حقّ الأمانة وانحطّ إلى رتبة الأنعام، فوصف بالظّلوميّة لأنّه صرف الاستعداد في غير ما خلق لأجله، وبالجهوليّة لأنّه جهل عاقبة إفساد الاستعداد، أو علم ولم يعمل بعلمه، فنفي عنه العلم لانتفاء ثمرته، وعلى ذلك فالمراد بالإنسان هو الآدميّون، وحمل الشّيء على بعض الجنس يكفي في صدقه على الجنس كلّه» (?) .
لقد ذكر كثير من المفسّرين ما يؤيّد أنّ الأمانة هي التّكليف عند ما قال: إنّ ما كلّفه الإنسان بلغ من عظمه وثقل محمله أنّه عرض على أعظم ما خلق الله من الأجرام وأقواه فأبى محمله، وحملها الإنسان على ضعفه ورخاوة قوّته، قال أبو حيّان: أي أنّ الإنسان لم يكن حاله- فيما يصحّ منه من الانقياد لأوامر الله ونواهيه، وهو حيوان صالح للتّكليف- مثل حال تلك الجمادات فيما يصحّ منها ويليق بها من الانقياد (?) ، وقال ابن كثير: ما قيل في الآية الكريمة من الأقوال العديدة لا تنافي بينها، بل هي متّفقة وراجعة إلى أنّها التّكليف وقبول الأوامر والنّواهي بشرطها، وهو أنّه إن قام بذلك أثيب، وإن تركها عوقب» (?) .