بما روي عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- وغيره من أنّ الأمانة في الآية الكريمة هي الفرائض الّتي افترضها الله على عباده، وبما روي عنه أيضا من قوله (أي ابن عبّاس) الأمانة: الطّاعة عرضها الله عليها أي على السّموات والأرض والجبال قبل أن يعرضها على آدم، فلم تطقها، فقال لآدم: يا آدم، إنّي قد عرضت الأمانة على السّموات والأرض والجبال فلم تطقها، فهل أنت آخذها بما فيها؟ فقال: يا ربّ وما فيها؟ قال: إن أحسنت جزيت، وإن أسأت عوقبت فأخذها آدم فتحمّلها» (?) ، قال الطّبريّ: وقال آخرون: عني بالأمانة في هذا الموضع أمانات النّاس، وذهب فريق ثالث إلى أنّ المراد بالأمانة هنا ائتمان آدم عليه الصّلاة والسّلام ابنه قابيل على أهله وولده (?) ، وأولى هذه الأقوال بالصّواب ما قاله الّذين قالوا إنّه عني بالأمانة في هذا الموضع جميع معاني الأمانات في الدّين، وأمانات النّاس، وذلك أنّ الله عزّ وجلّ لم يخصّ بقوله «عرضنا الأمانة» بعض معاني الأمانات دون بعض (?) .
وقال القرطبيّ: «الأمانة تعمّ جميع وظائف الدّين، ونسب هذا القول لجمهور المفسّرين، فالأمانة هي الفرائض الّتي ائتمن الله عليها العباد، واختلف في تفاصيل بعضها على أقوال: فقيل هي أمانات الأموال كالودائع وغيرها وقيل: في كلّ الفرائض، وأشدّها أمانة المال، وقيل: من الأمانة أن ائتمنت المرأة على فرجها، وقال بعضهم: غسل الجنابة أمانة، وقيل: الأمانة هي الصّلاة (إن شئت قلت: صلّيت، وإن شئت قلت: لم أصلّ) ، وكذلك الصّيام وغسل الجنابة، وعلى ذلك فالفرج أمانة (?) ، والأذن أمانة، والعين أمانة، واللّسان أمانة، والبطن أمانة واليد أمانة، والرّجل أمانة، قال:
«ولا إيمان لمن لا أمانة له» (?) ، وقيل: هذه الأمانة هي ما أودعه الله تعالى في السّموات والأرض والجبال والخلق من الدّلائل على ربوبيّته أن يظهروها فأظهروها إلّا الإنسان فإنّه كتمها وجحدها، والمراد بالإنسان على ذلك هو الكافر والمنافق (?) .
أمّا ما جاء في الحديث: «المؤذّن مؤتمن» ، أراد به: مؤتمن القوم الّذي يثقون إليه، ويتّخذونه أمينا حافظا. والأمانة تقع على الطّاعة والعبادة والوديعة والثّقة والأمان.
ويقال: رجل أمين وأمّان أي له دين. وقيل:
مأمون به ثقة. قال الأعشى:
ولقد شهدت التّاجر ال ... أمّان مورودا شرابه
والتّاجر الأمّان بالضّمّ والتّشديد: هو الأمين (?) .
وقال ابن الأنباريّ: والأمين من حروف الأضداد، يقال: فلان أمين، أي مؤتمن، وفلان