وقيل: إنّما سمّي الصّديق صديقا لصدقه، والعدوّ عدوّا لعدوه عليك (?) . وقال ثعلب: إنّما سمّي الخليل خليلا؛ لأنّ محبّته تتخلّل القلب. فلا تدع فيه خللا إلّا ملأته.
وأمّا البرّ: وهو الخامس من أسباب الألفة:
فلأنّه يوصّل إلى القلوب ألطافا، ويثنيها محبّة وانعطافا، ولذلك ندب الله تعالى إلى التّعاون به، وقرنه بالتّقوى له، فقال: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى (المائدة/ 2) لأنّ له في التّقوى رضا الله تعالى، وفي البرّ رضا النّاس، ومن جمع بين رضا الله تعالى ورضا النّاس، فقد تمّت سعادته وعمّت نعمته (?) .
ويقول الشّيخ ابن عاشور: كان العرب جميعا قبل الإسلام في عداوة وحروب، فالأوس والخزرج كانت بينهم حروب دامت مائة وعشرين سنة قبل الهجرة، كان منها يوم بعاث، والعرب كانوا في حروب وغارات، وجميع الأمم الّتي دعاها الإسلام كانوا في تفرّق وتخاذل، فصار الّذين دخلوا في الإسلام إخوانا، أولياء بعضهم لبعض، لا يصدّهم عن ذلك اختلاف انساب، ولا تباعد مواطن، ولقد حاول حكماؤهم، وأولو الرّأي منهم التّأليف بينهم، وإصلاح ذات بينهم، بأفانين الدّعاية من خطابة، وجاه وشعر، فلم يصلوا إلى ما ابتغوا حتّى ألّف الله بين قلوبهم بالإسلام فصاروا بذلك التّأليف بمنزلة الإخوان.
وقد امتنّ الله عليهم بتغيير أحوالهم من أشنع حالة إلى أحسنها: فحالة كانوا عليها هي حالة العداوة والتّفاني والتّقاتل. وحالة أصبحوا عليها وهي حالة الأخوّة ولا يدرك الفرق بين الحالتين إلّا من كانوا في السّوأى فأصبحوا في الحسنى، والنّاس إذا كانوا في حالة بؤس وضنك واعتادوها صار الشّقاء دأبهم، وذلّت له نفوسهم، فلم يشعروا بما هم فيه، ولم يتفطّنوا لوخيم عواقبه، حتّى إذا هيّأ لهم الصّلاح، وأخذ يتطرّق إليهم استفاقوا من شقوتهم. وعلموا حالتهم ولأجل هذا المعنى جمعت الآية ذكر الحالتين وما بينهما فقالت: إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً (آل عمران/ 103) (?) .
[للاستزادة: انظر صفات: الاجتماع- الإخاء الكلم الطيب- البر- التعاون على البر والتقوى- المحبة- حسن الخلق- صلة الرحم- التودد.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: البغض- التفرق- التنازع- القسوة- قطيعة الرحم] .