الفصل الثالث حكمة الابتلاء

نتحدث في هذا الفصل والذي يليه عن أمرين يرتبطان ببعضهما ارتباطا وثيقا:

الأمر الأول: يتعلق بمحاولة البحث عن حكمة الله عز وجل في الابتلاءات المختلفة وذلك على قدر ما تشير إليه الآيات الكريمة، أو ترشد إليه الأحاديث الشريفة، أو توحي به قصص الابتلاء العديدة التي تضمنتها آي الذكر الحكيم أو أحاديث المصطفى صلّى الله عليه وسلّم.

أما الأمر الثاني: فهو محاولة جادة للإفادة من الابتلاء فيما يتعلق بالعملية التربوية وذلك على قدر ما تسعف به أصول علم التربية، كما أقرها المختصون في هذا النوع المهم من فروع الدراسة، وقد أطلقنا على هذا النوع الثاني:

القيمة التربوية للابتلاء، وإذا كانت حكمة الابتلاء تتعلق بالجانب النظري فإن القيمة التربوية ذات جانب عملي وتطبيقي، من حكم الابتلاء نستلهم عبر الماضي، ومن القيمة التربوية نعد العدة لبناء جيل صلب قوي ثابت على صراط الله المستقيم في المستقبل.

حكمة الله- عز وجل- في الابتلاء:

من أسماء الله- عز وجل- «الحكيم» ولهذا الاسم كما لغيره من الأسماء الحسنى آثار في الخلق تترتب عليه، ومن مقتضى ذلك أن تكون أفعاله- سبحانه وتعالى-، وما يجري به قضاؤه وقدره لا يخلو من الحكمة، علمها من علمها وجهلها من جهلها، وسنحاول هنا أن نتأمل بعض- وليس كل- أسرار الابتلاء بأنواعه المختلفة.

أولا: حكمة الابتلاء بالضراء أو الشر:

للابتلاء بالضراء أو الشر حكم عديدة نشير إلى أهمها فيما يلي:

أ- تقوية الإيمان بالقضاء والقدر:

يقول الشيخ محمد بن عثيمين: على الإنسان أن يؤمن بقضاء الله وقدره، قال تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (?) ، ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (?) .

وعلى المسلمين أن يؤمنوا بمشيئة الله في عموم ملكه فإنه ما من شيء في السماوات أو في الأرض إلا وهو ملك لله عز وجل: مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (?) ، وما من شيء في ملكه إلا وهو بمشيئته وإرادته فبيده الملك، وبيده مقاليد السماوات والأرض، ما من شيء يحدث من رخاء وشدة، وخوف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015