فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (?) ، وقد يراد به التمهيد والتدريب على التمكين في الأرض، نظرا لما يعقب هذا الابتلاء من الصبر في الشدائد (?) وتحمّل المشاق، واليقين بأن لله تعالى حكمة في كل ما يصيب الإنسان من خير أو شر، قال تعالى: وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (?) ، وقد أخبر المصطفى صلّى الله عليه وسلّم أن جزاء الصابرين على الابتلاء بالضراء هو الجنة، فقال عليه الصلاة والسلام: «يقول المولى عز وجل: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته عنهما الجنة» يريد عينيه، وقال عليه الصلاة والسلام: «من ابتلى بشيء من البنات فصبر عليهن كنّ له حجابا من النار» (?) . وإلى هذا المظهر من مظاهر الابتلاء أشارت الآية الكريمة: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (?) .
وهذا المظهر لا يقل عن سابقيه من حيث خطره وتأثيره في حياة الأمم أو الأفراد، وقد كان آدم أبو البشر هو أول من تعرض لهذا النوع من الابتلاء عند ما أكل من الشجرة التي نهاه الله عنها. وقد سجل القرآن الكريم هذه الواقعة في قوله سبحانه: وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ* فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (?) . وقد أشار ابن قيم الجوزية إلى ثمرة هذا الابتلاء عندما قال: لو لم تكن التوبة أحبّ إلى الله لما ابتلى بالذنب أكرم المخلوقات عليه (آدم عليه السلام) فالتوبة هي غاية كل كمال آدمي وقد كان كمال أبينا آدم عليه السلام بها (?) .
يبتلى الإنسان على المستوى الشخصي بالنعماء أو الخير فتنة وتمحيصا، وذلك بأن يعطيه الله المال والجاه أو العافية والمنصب والأولاد ونحو ذلك، وهذا المظهر من أهم مظاهر الابتلاء نظرا لما يعقبه من شكر للنعمة أو كفر بها، قال تعالى فيما يحكيه القرآن عن سيدنا سليمان قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (?) ، وشكر النعمة يعقبه زيادتها، أما كفرانها فإنه يورث الطغيان والكبر