وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى، وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى، وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى، فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} إلى آخر الآيات [النجم: 50-40] . فاستشعروا نزول مثل ذلك بهم، ولعلهم لم يسمعوا قبل ذلك مثلها منه صلى الله عليه وسلم، وهو قائم بين يديْ ربه سبحانه في مقام خطير وجمع كثير، وقد ظنّوا من ترتيب الأمر بالسجود على ما تقدم أن سجودهم ولو لم يكن عن إيمان، كافٍ في دفع ما توهَّموه، ولا تستبعد خوفهم من سماع مثل ذلك منه صلى الله عليه وسلم، فقد نزلت سورة "حم السجده" بعد ذلك كما جاء مصرّحا به في حديث عن ابن عباس. ذكره السيوطي في أول "الإتقان" فلما سمع عُتبة بن ربيعة قوله تعالى فيها: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصّلت: 13] ! أمسك على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وناشده الرحم واعتذر لقومه حين ظنوا به أنه صبأ وقال: "كيف وقد علمتم أن محمدًا إذا قال شيئًا لم يكذب؟ فخفت أن ينزل بكم عذاب" وقد أخرج ذلك البيهقي في "الدلائل" وابن عساكر في حديث طويل عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
ويمكن أن يقال على بعد: إن سجودهم كان لاستشعار مدح آلهتهم، ولايلزم منه ثبوت ذلك الخبر، لجواز أن يكون ذلك الاستشعار من قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ