المقام التاسع: قوله: "فما زال مغمومًا مهمومًا حتى نزلت عليه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ} [الحج:52] 1، فأما غمه وحزنه، فبأن تمكن الشيطان مما تمكن مما يأتي بيانه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعز عليه أن ينال الشيطان شيئًا وإن قل تأثيره.
المقام العاشر: إن هذه الآية نص في غرضنا، الدليل على صحة مذهبنا، أصل في براءة النبي صلى الله عليه وسلم مما نسب إليه أنه قاله عندنا، وذلك أنه قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج:52] 2، فأخبر الله تعالى أن من سنته في رسله، وسيرته في أنبيائه، أنهم إذا قالوا عن الله قولًا، زاد الشيطان فيه من قبل نفسه، كما يفعل سائر المعاصي، كما تقول: ألقيت في الدار كذا، وألقيت في العِكم3 كذا، وألقيت في الكيس كذا، فهذا نص في أن الشيطان زاد في الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم، لا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ تلا قرآنا مقطّعًا، وسكت في مقاطع الآي سكوتًا محصلًا، وكذلك كان حديثه مترسلًا فيه