من الإخوان الأعزة من الباكستان -حيث أُوفد إليها لغاية علمية- يسألني عن رأيي في حديث الغرانيق الذي اختلف فيه قول حافظين كبيرين، هما: ابن كثير الدمشقي، وابن حجر المصري، فقد أنكره الأول وقواه الآخر. وطلب مني أن لا أضن بالجواب عليه، فلبثت بعض الأشهر أترقب فرصة أستطيع فيها إجابة طلبه. ثم لقيني أحد الأحبة عقب صلاة عيد الأضحى لهذه السنة -1371هـ- فسألني أيضًا عن حديث الغرانيق، فأجبته بأنه لا يصح، بل هو باطل موضوع، فذكر لي أن أحد الشباب ممن في قلوبهم مرض احتج به على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان -وحاشاه- يتكلم بما يرضي المشركين جذبًا لهم إليه، لأنه بزعمه الباطل لم يكن نبيًا صادقًا، وإنما كان يتظاهر بذلك تَرَؤُسًا عليهم كما يهرف بذلك بعض الملاحدة قديمًا وحديثًا، فحملني ذلك على أن أغتنم فرصة العيد المذكور، فشرعت -متوكلًا على الله الغفور- في جمع طرق تلك القصة من كتب التفسير والحديث، وبينت عللها متنًا وسندًا، ثم ذكرت قول الحافظ ابن حجر في تقويتها، وتعقبته بما يبين وَهْيَ ما ذهب إليه، ثم عقّبت على ذلك بذكر بعض البحوث والنقول عن بعض الأئمة الفحول ذوي التحقيق في الفروع والأصول، تؤيد ما ذهبنا إليه من نكارة القصة وبطلانها، ووجوب رفضها، وعدم قبولها، تصديقًا لقوله تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ