الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ"، قُلْت: غَرِيبٌ، رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"1 فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ بِسَنَدِهِ عَنْ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ، وَمَدُّنَا أَكْبَرُ الْأَمْدَادِ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي قَلِيلِنَا وَكَثِيرِنَا، وَاجْعَلْ لَنَا مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَفِي تَرْكِ الْمُصْطَفَى عليه السلام الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ، حَيْثُ قَالُوا: صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ، بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ صَاعَ الْمَدِينَةِ أَصْغَرُ الصِّيعَانِ، وَلَمْ نَجِدْ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا خِلَافًا فِي قَدْرِ الصَّاعِ، إلَّا مَا قَالَهُ الْحِجَازِيُّونَ، وَالْعِرَاقِيُّونَ، فَزَعَمَ الْحِجَازِيُّونَ أَنَّ الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ، وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، فَصَحَّ أَنَّ صَاعَ النَّبِيِّ عليه السلام كَانَ خَمْسَةَ أرطال وثلث، إذْ هُوَ أَصْغَرُ الصِّيعَانِ2، وَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ: أَنَّ الصَّاعَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ ثَبَتَ عَلَى صِحَّتِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ": عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى الطَّائِيِّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ الْخُرَاسَانِيُّ ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، قَالَ: قُلْت لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، كَمْ وَزْنُ صَاعِ النَّبِيِّ عليه السلام؟ قَالَ: خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْعِرَاقِيِّ، أَنَا حَزَرْته3. قُلْت: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ خَالَفْت شَيْخَ الْقَوْمِ، قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قُلْت: أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه، يَقُولُ: ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا، وَقَالَ: قَاتَلَهُ اللَّهُ، مَا أَجْرَأَهُ عَلَى اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ لبعض جلساته: يَا فُلَانُ، هَاتِ صَاعَ جَدِّك، وَيَا فُلَانُ، هَاتِ صَاعَ عَمِّك، وَيَا فُلَانُ، هَاتِ صَاعَ جَدَّتِك، فَاجْتَمَعَتْ أَصْوُعٌ، فَقَالَ مَالِكٌ: تَحْفَظُونَ فِي هَذِهِ؟ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّي بِهَذَا الصَّاعِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ الْآخَرُ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَخِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّي بِهَذَا الصَّاعِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ مَالِكٌ: أَنَا حَزَرْت هَذِهِ، فَوَجَدْتهَا خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا، قُلْت: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أُحَدِّثُك بِأَعْجَبَ مِنْ هَذَا عَنْهُ: أَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ نِصْفُ صَاعٍ، وَالصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، فَقَالَ: هَذِهِ أَعْجَبُ مِنْ الْأُولَى، بَلْ صَاعٌ تَامٌّ عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ، هَكَذَا أَدْرَكْنَا عُلَمَاءَنَا بِبَلَدِنَا هَذَا، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": إسْنَادُهُ مُظْلِمٌ، وَبَعْضُ رِجَالِهِ غَيْرُ مَشْهُورِينَ، وَالْمَشْهُورُ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ4 عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ الْوَلِيدِ الْقُرَشِيِّ، وَهُوَ ثِقَةٌ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو يُوسُفَ رحمه الله مِنْ الْحَجِّ، فَقَالَ: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَفْتَحَ عَلَيْكُمْ بَابًا مِنْ الْعِلْمِ أَهَمَّنِي، فَفَحَصْت عَنْهُ، فَقَدِمْت الْمَدِينَةَ، فَسَأَلْت عن الصاع