فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا مَعْقِلٍ هَلَكَ، وَتَرَكَ بَعِيرًا جَعَلَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَعَلَيَّ حَجَّةٌ، فَقَالَ: "يَا أُمَّ مَعْقِلٍ حُجِّي عَلَى بَعِيرِك، فَإِنَّ الْحَجَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي الطَّاهِرِ بْنِ السَّرْحِ1: ثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ ثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَبِي طَلِيقٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: طَلَبَتْ مِنِّي أُمُّ طَلِيقٍ جَمَلًا تَحُجُّ عَلَيْهِ، فَقُلْت: قَدْ جَعَلْتُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَتْ: لَوْ أَعْطَيْتَنِيهِ لَكَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَسَأَلْت النَّبِيَّ عليه السلام، فَقَالَ: "صَدَقَتْ، لَوْ أَعْطَيْتَهَا، لَكَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَنَّ الْعُمْرَةَ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ بِهِ.
قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي ذَهَبْنَا إلَيْهِ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَعْنِي جَوَازَ الِاقْتِصَارِ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ، قُلْت: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَحَدِيثُ عُمَرَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"2، وَرَوَى الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ" فِي هَذِهِ الْآيَةِ3 أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله تعالى: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الْآيَةَ، قَالَ: فِي أَيِّ صِنْفٍ وَضَعْته أَجْزَأَك، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ4 عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الْآيَةَ، قَالَ: أَيُّمَا صِنْفٍ5 أَعْطَيْته مِنْ هَذَا أَجْزَأَ عَنْك، انْتَهَى. ثَنَا حَفْصٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْفَرْضَ فِي الصَّدَقَةِ، فَيَجْعَلُهُ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ، انْتَهَى. وَرُوِيَ أَيْضًا6 عَنْ الْحَجَّاجِ بن أرطاة عن المهال بْنِ عَمْرٍو عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا وَضَعْتهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَك، انْتَهَى. وَأُخْرَجَ نَحْوَ ذَلِكَ7 عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ، وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ8، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، قَالَ: وَالْفُقَرَاءُ صِنْفٌ وَاحِدٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَاهُمْ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"9: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَتَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَالٌ فَجَعَلَهُ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ سِوَى صِنْفِ الْفُقَرَاءِ، وَهُمْ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ: الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وعيينة بن حصين، وَعَلْقَمَةُ