خَلْفَهُ، فَأَشَارَ إلَيْنَا فَقَعَدْنَا، قَالَ: فَلَمَّا قضى الصلاة، قال: "وإذا صَلَّى الْإِمَامُ جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا، وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا، فَصَلُّوا قِيَامًا، وَلَا تَفْعَلُوا، كَمَا تَفْعَلُ فَارِسُ بِعُظَمَائِهَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا فِي حَدِيثِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ قَاعِدًا وَهُمْ قِيَامٌ، أَنَّهُ إنَّمَا كَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ سُبْحَةً، فَلَمَّا حَضَرَتْ الْفَرِيضَةُ أَمَرَهُمْ بِالْجُلُوسِ، فَجَلَسُوا، فَكَانَ أَمْرَ فَرِيضَةٍ1 لَا فَضِيلَةٍ، انْتَهَى. قُلْت: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّطَوُّعَاتِ يُحْتَمَلُ فيها مالا يُحْتَمَلُ فِي الْفَرَائِضِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إيَّاكِ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ هَلَكَةٌ، فَإِنْ كان لابد، فَفِي التَّطَوُّعِ لَا فِي الْفَرِيضَةِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَأَصْحَابُنَا يَجْعَلُونَ أَحَادِيثَ: " إذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا"، مَنْسُوخَةً بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمَ: أَنَّهُ صَلَّى آخِرَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ، وَبِحَدِيثِ: "لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا"، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ، لَكِنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَقَعَ فِيهِ اضْطِرَابٌ لَا يَقْدَحُ فِيهِ، فَاَلَّذِي تَقَدَّمَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ إمَامًا. وَأَبُو بَكْرٍ مأموم، وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ الْعَكْسُ، كَمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3 وَالنَّسَائِيُّ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ قَاعِدًا، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ أَيْضًا4 عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْقَوْمِ، صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، انْتَهَى. وَمِثْلُ هَذَا لَا يُعَارِضُ مَا وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ، مَعَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ جَمَعُوا بَيْنَهُمَا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي كَانَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمَامًا هِيَ صَلَاةُ الظُّهْرِ، يَوْمَ السَّبْتِ5 أَوْ الْأَحَدِ، وَاَلَّتِي كَانَ فِيهَا مَأْمُومًا هِيَ صَلَاةُ الصُّبْحِ، مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ،