أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ، وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الصَّحَابَةِ كَانُوا أَعْلَمَ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشَدَّ تَحَرِّيًا لَهَا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ. وَعُمَرُ. وَعُثْمَانُ. وَعَلِيٌّ. وَابْنُ مَسْعُودٍ. وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ اصحابة لَا يَرَوْنَ الْجَهْرَ بِالْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: فِي جَامِعِهِ بَعْدَ ذِكْرِهِ تَرْكَ الْجَهْرِ: وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ: مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ. وَعُمَرُ. وَعُثْمَانُ. وَعَلِيٌّ. وَغَيْرُهُمْ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ، وَكَيْفَ يُعَلَّلُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ الَّذِي رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ؟! وَهَلَّا جَعَلُوا الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ عِلَّةً لِلضَّعِيفِ، وَمُخَالَفَةَ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ لِنُعَيْمٍ مُوجِبًا لِرَدِّهِ؟، إذْ مُقْتَضَى الْعِلْمِ أَنْ يُعَلَّلَ الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، كَمَا فَعَلْنَا نَحْنُ.
الْأَحَادِيثُ الَّتِي استدل به الْخَطِيبُ: فَمِنْهَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي أُوَيْسٍ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُوَيْسٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَمَّ النَّاسَ جَهَرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1. وَابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ فَقَالَا فِيهِ: قَرَأَ2، عِوَضَ: جَهَرَ، وَكَأَنَّهُ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى، وَلَوْ ثَبَتَ هَذَا عَنْ أَبِي أُوَيْسٍ، فَهُوَ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ، لِأَنَّ أَبَا أُوَيْسٍ لَا يُحْتَجُّ بِمَا انْفَرَدَ بِهِ، فَكَيْفَ إذَا انْفَرَدَ بِشَيْءٍ، وَخَالَفَهُ فِيهِ مَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْهُ، مَعَ أَنَّهُ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، فَوَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ، وَضَعَّفَهُ آخَرُونَ، وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَمِمَّنْ وَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَأَبُو زُرْعَةَ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَمُجَرَّدُ الْكَلَامِ فِي الرَّجُلِ لَا يُسْقِطُ حَدِيثَهُ، وَلَوْ اعْتَبَرْنَا ذَلِكَ لَذَهَبَ مُعْظَمُ السُّنَّةِ، إذْ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ، بَلْ خُرِّجَ فِي الصَّحِيحِ لِخَلْقٍ مِمَّنْ تُكُلِّمَ فِيهِمْ، وَمِنْهُمْ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضبعي. والحارث بن عبد الْإِيَادِيُّ3. وَأَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ الْحَبَشِيُّ. وَخَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيُّ. وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ الحرثاني. وَيُونُسُ بْنُ أَبِي إسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ. وَغَيْرُهُمْ، وَلَكِنْ صَاحِبَا الصَّحِيحِ رحمهما الله إذَا أَخْرَجَا لِمَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ، فَإِنَّهُمْ يَنْتَقُونَ مِنْ حَدِيثِهِ4 مَا تُوبِعَ عَلَيْهِ، وَظَهَرَتْ شَوَاهِدُهُ، وَعُلِمَ أَنَّ لَهُ أَصْلًا، وَلَا يَرْوُونَ مَا تَفَرَّدَ بِهِ، سِيَّمَا إذَا خَالَفَهُ الثِّقَاتُ، كَمَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ لِأَبِي أُوَيْسٍ حَدِيثَ: قَسَّمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ، بَلْ