كَانَ يَتَحَدَّثُ مَعَنَا، فَخَرَجَ بَيْنَ أَيْدِينَا، فَإِذَا نَحْنُ بِهِ يَتَشَحَّطُ فِي الدَّمِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "بِمَنْ تَظُنُّونَ"؟ قَالُوا: نَرَى أَنَّ الْيَهُودَ قَتَلَتْهُ، فَأَرْسَلَ إلَى الْيَهُودِ، فدعاهم، فقال: "أنتم قَتَلْتُمْ هَذَا"؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: "أَتَرْضَوْنَ نَفَلَ خَمْسِينَ مِنْ الْيَهُودِ مَا قَتَلُوهُ"؟ فَقَالُوا: مَا يُبَالُونَ أَنْ يقتلوه أجمعين، ثم ينفلون، قَالَ: "أَفَتَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ"؟ قَالُوا: مَا كُنَّا لِنَحْلِفَ، فَوَدَاهُ عليه الصلاة والسلام، مِنْ عِنْدِهِ، مُخْتَصَرٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الدِّيَاتِ1 عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ بُشَيْرٍ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ نَفَرًا مِنْ قَوْمِهِ انْطَلَقُوا إلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقُوا فِيهَا، فَوَجَدُوا أَحَدَهُمْ قَتِيلًا، وَقَالُوا لِلَّذِينَ وُجِدَ فِيهِمْ: قَتَلْتُمْ صَاحِبَنَا؟ قَالُوا: مَا قَتَلْنَا، وَلَا عَلِمْنَا قَاتِلًا، فَانْطَلَقُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ انْطَلَقْنَا إلَى خَيْبَرَ، فَوَجَدْنَا أَحَدَنَا قَتِيلًا، فَقَالَ لَهُمْ: "تَأْتُونِي بِالْبَيِّنَةِ2 عَلَى مَنْ قَتَلَهُ"؟ قَالُوا: ما لنا ببينة، قَالَ: "فَيَحْلِفُونَ"؟ قَالُوا: لَا نَرْضَى بِأَيْمَانِ الْيَهُودِ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطَلَّ دَمُهُ، فَوَدَاهُ بِمِائَةٍ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ، انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ أَعْنِي أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُد3 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِلْيَهُودِ، وَبَدَأَ بِهِمْ: "يَحْلِفُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا"، فَأَبَوْا، فَقَالَ للأنصار: "اسْتَحْلِفُوا"؟ قَالُوا: نَحْلِفُ عَلَى الْغَيْبِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَجَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَةً عَلَى يَهُودَ، لِأَنَّهُ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ: مَا مَنَعَك عَلَى أَنْ تَأْخُذَ بِحَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ؟ قَالَ: مُرْسَلٌ، وَالْقَتِيلُ أَنْصَارِيٌّ، والأنصاريون بِالْعِنَايَةِ أَوْلَى بِالْعِلْمِ بِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ، انْتَهَى.