"قُلْتُمْ: أَمَّا الرَّجُلُ فَأَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ، وَرَغْبَةٌ فِي قَرَابَتِهِ، كَلًّا إنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ هَاجَرْتُ إلَى اللَّهِ، وَإِلَيْكُمْ، فَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ"، قَالُوا: وَاَللَّهِ مَا قُلْنَا إلَّا ضِنًّا بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، قَالَ: " فَإِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ وَيَعْذِرَانِكُمْ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" وَقَالَ: هَذَا أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً لَا صُلْحًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهَا أَجَارَتْ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: " قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ، وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ"، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": اُسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً، إذْ لَوْ فُتِحَتْ صُلْحًا لَوَقَعَ بِهِ الْأَمَانُ الْعَامُّ، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى أَمَانِ أُمِّ هَانِئٍ، وَلَا تَجْدِيدِهِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ أَيْضًا فِي "الصَّحِيحَيْنِ" 2 عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ أَيْضًا فِي "الصَّحِيحَيْنِ" 3 عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْغَدِ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ: "إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا تَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرًا، وَإِنَّمَا أُذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ"، انْتَهَى. وَبِهَذَا الْحَدِيثِ اسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ".
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ وَضَعُوا الْعُشْرَ عَلَى أَرْضِ الْبَصْرَةِ، قُلْت: ذَكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَغَيْرُهُ.
قَوْلُهُ: وَالْخَرَاجُ الَّذِي وَضَعَهُ عُمَرُ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ من كل جَرِيبٍ يَبْلُغُهُ الْمَاءُ قَفِيزٌ هَاشِمِيٌّ، وَهُوَ الصَّاعُ، وَدِرْهَمٌ، وَمِنْ جَرِيبِ الرَّطْبَةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَمِنْ جَرِيبِ الْكَرْمِ الْمُتَّصِلِ، وَالنَّخِيلِ الْمُتَّصِلِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ عُمَرَ، فَإِنَّهُ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ حَتَّى يَمْسَحَ سَوَادَ الْعِرَاقِ، وَجَعَلَ حُذَيْفَةَ عَلَيْهِ مُشْرِفًا، فَمَسَحَ، فَبَلَغَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ أَلْفَ جَرِيبٍ، وَوَضَعَ عَلَى