رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ، مُخْتَصَرٌ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ عليه السلام بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ، فَلَمَّا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَاسْتَوَتْ بِهِ أَهَلَّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ إهْلَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِيهِ: ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، مُخْتَصَرٌ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد 2 مَا يَجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَحَدِيثُ: أَهَلَّ فِي دُبُرِ صَلَاتِهِ أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ خَصِيفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْت لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: عَجِبْت لِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إهْلَالِهِ حِينَ أَوْجَبَ، فَقَالَ: إنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ، إنَّهَا إنَّمَا كَانَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةً وَاحِدَةً، فَمِنْ هُنَاكَ اخْتَلَفُوا، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجًّا، فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْهِ أَوْجَبَ فِي مَجْلِسِهِ، فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ، فَحَفِظَتْهُ عَنْهُ، ثُمَّ رَكِبَ، فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ أهل، وأدرك ذلك أَقْوَامٌ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ إنَّمَا كَانُوا يَأْتُونَ أَرْسَالًا، فَسَمِعُوهُ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ يُهِلُّ، فَقَالُوا: إنَّمَا أَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ، ثُمَّ مَضَى عليه السلام، فَلَمَّا عَلَا شَرَفَ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ، وَأَدْرَكَ ذَلِكَ أَقْوَامٌ، فَقَالُوا: إنَّمَا أَهَلَّ حِينَ عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ، وَأَيْمُ اللَّهِ لَقَدْ أَوْجَبَ فِي مُصَلَّاهُ، وَأَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ، وَأَهَلَّ حِينَ عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ، فَمَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَهَلَّ فِي مُصَلَّاهُ إذَا فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"3، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَابْنُ إسْحَاقَ فِيهِ مَقَالٌ، وَكَذَلِكَ خَصِيفٌ4، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ"5: كَانَ فَقِيهًا صَالِحًا، إلَّا أَنَّهُ كَانَ يُخْطِئُ كَثِيرًا، وَالْإِنْصَافُ فِيهِ قَبُولُ مَا وَافَقَ فِيهِ الْأَثْبَاتَ، وَتَرْكُ مَا لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، وَأَنَا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِي إدْخَالِهِ فِي الثِّقَاتِ، وَكَذَلِكَ احْتَجَّ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا، وَتَرَكَهُ آخَرُونَ، انْتَهَى.
قوله: وهو إجابة الدعاء الْخَلِيلِ عليه السلام عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْقِصَّةِ - يَعْنِي فِي التَّلْبِيَةِ - قُلْت: فِيهِ آثَارٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 6 فِي فَضَائِلِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام عَنْ جَرِيرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا بَنَى إبْرَاهِيمُ الْبَيْتَ أَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، قَالَ: فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: أَلَا إنَّ ربكم قد