تمهيد

هناك مبادئ عامة ينصح بها كل طالب علم، ليضعها أمام عينيه عند أول ما ينوي السير في طريق العلم الطويل. وبعض هذه المبادئ العامة سوف تكون مدخلنا إلى الجواب عن السؤال الذي يسأل عنه قارئ هذه الورقات، وهو: كيف أصبح محدثاً عارفاً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم؟

فلا شك أن أول ما يلزم من أراد أن يكون طالب علم (أي علم من العلوم) ، أن يتعرف على العلوم من جهة موضوعاتها وغاياتها والثمرة الناتجة عنها. لأنه بذلك يعرف شرف كل علم وفضله، ومنقبة حملة ذلك العلم ورفعة قدرهم. وهذا يجعله قادراً على ترتيب العلوم على حسب أهميتها، ووضعها في مراتبها من أولوية التعليم.

فإذا ما ابتدأ طلب علم من العلوم بعد ذلك، وقد عرف أنه فضائله ومناقب حملته، وعرف إنما ابتدأ به لأنه أحق من غيره ببداية التعلم، وأولى مما سواه بأن يكون باكورة الطلب؛ زاده ذلك إقبالاً على العلم، وحرصاً عليه، وصبراً في تحصيله، وثقة بصواب خطواته، واطمئناناً على صحة منهجه. فلا يزيده بعد ذلك طول الطريق إلا جلداً، ولا وعورته إلا جداً، ولا صعوبته إلا مثابرةً، ولا تعب جسده فيه إلا راحة نفسه، ولا اغترابه من أجله إلا أنساً به، ولا قلة ذات يده إلا فرحاً بالاستكثار منه. حتى يبلغ المنى، ويحصد الجنى.

لذلك حرصت أن لا تخلو هذه الورقات من إلماحات عن شرف علم الحديث وبيان فضل المحدثين؛ وهذا هو العنوان الأول بعد هذا التمهيد.

وبعد أن تعرف طالب العلم على ما سبق، ينبغي عليه أن يستنصح أهل العلم الذي رأى أن يبدأ به، ويطلب منهم أن يوقفوه على خصائص ذلك العلم التي تميزه عن غيره من العلوم، وأن يقرأ بعض ما ألف في التعريف بذلك العلم وفي بيان مميزاته التي تختص به. حيث إن لكل علم ملامح كبرى تفارقه عن غيره من العلوم، وقسمات خاصة به كالتي تباين بين الأشخاص المختلفين. وهذه الملامح والقسمات هي في الحقيقة سر كل علم، وكاشف لغز كل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015