تنافسهم على القصور والأموال والمناصب، فإن مر على اللغو مر مر الكرام، وإن تعرض له الجاهلون أعرض وقال: سلام؛ وهو مع ذلك شاب في عنفوان الشباب، أمامه مستقبل عريض، وعليه مسئولية بناء جديد، وينظر إلى الأفق البعيد نظرة ملؤها الآمال والأحلام، تفور فيه غرائز الشهوات، ويجيش فؤاده بالعواطف، وتتفجر دماؤه حماساً؛ ثم هو هو ذلك الذي تجاوز هذا كله!! وجعله وراءه ظهرياً!! وأقبل على العلم.. على مرارته، وانكب على الكتاب.. على ملالته، وإذا حن إلى عناق كاعب..خالفته يدا كاتب، وإذا اشتهت شفتاه أن يرتشف الرضاب.. تمتم ملتذاً بقراءة كتاب؛ قطع الأيام في التحصيل، وسهر الليالي على الدرس والترتيل؛ يقرأ حتى تزوغ عينه، ويكتب حتى تكل يده، ويدرس حتى يكد ذهنه!!!

أخبروني.. من أفضل من هذا؟!!

مع ذلك فإنه يرى أن الذي هو فيه: هو الحياة حقاً، وجنة دار الفناء صدقاً، يرحم أهل الدنيا، ويحنو على أبناء الملذات؛ لأنه يعرف أنه على برنامج العلماء، ومنهج الأولياء، وخطة الفقهاء، وغاية الكبراء، ومعارج الأتقياء.

فيترنم بقول القائل:

لمحبرة تجالسني نهاري ... أحب إلي من أنس الصديق

ورزمة كاغد في البيت عندي ... أحب إلي من عدل الدقيق

ولطمة عالم في الخد مني ... ألذ لدي من شرب الرحيق

ولست أنا بالذي يذكر فضل طالب العلم، إذ قد رددت ذلك المحاريب وأصداؤها، وضجت به أروقة المساجد وقبابها، وتعبد بترتيله المتهجدون، وتقرب بتدبره أهل العلم الراسخون؛ وقبل ذلك نزل به الروح الأمين، على قلب سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم؛ وقبل ذلك تكلم به الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم؛ فقال تعالى: في الحث على سؤال التعلم - الذي هو أول درجاته - (فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015