ولا تعلم الفقه؛ ولذلك عاب عليهم الخطيب انشغالهم عن الفقه بما هم فيه، فالفقه أجل وأشرف بكثير مما هم فيه.
ولذلك قال علي بن المديني: (إذا رأيت طالب الحديث أول ما يكتب الحديث يجمع: حديث الغسل، وحديث من كذب علي؛ فاكتب على قفاه: لا يفلح " (?) .
أما إذا كان الجامع لطرق الحديث (ولو كان أصل الحديث صحيحاً بأقل تلك الطرق أو بواحد منها) من الأئمة الكبار في السنة، الذين هم أولاً أئمة في الاطلاع على صحيح السنة والثابت منها، وفي تمييز المقبول من المردود، وهم ثانياً لم يقطعوا أعمارهم في جمع تلك الأسانيد، بدليل إمامتهم واطلاعهم العظيم على السنة؛ فهؤلاء لو جمعوا أسانيد حديث صحيح بأحد تلك الأسانيد، أي لو قاموا بمثل ما عبناه على الأحداث الصغار في العلم، لما عبناهم بذلك، بل نفرح بجهدهم هذا، ونعتبره من النفائس والأعلاق؛ وذلك لأن جمعهم الأسانيد لم يكن على حساب كمال علمهم بالسنة، ولم يشغلهم عما ينتفعون به من الأحاديث الصحيحة وتمييزها عن السقيمة. ولذلك فإن الأحاديث التي مثل بها الخطيب مما يعاب على الأحداث جمعه، لا يكاد يوجد حديث منها إلا قام بجمع طرقه حفاظ كبار وأئمة أعلام ممن يقتدي بهم.
فحديث الطير للإمام الذهبي فيه مصنف.
وحديث غسل الجمعة جمع طرقه الحافظ ابن حجر، كما نقله الزبيدي في (لقط اللآلي المتناثرة) .
وحديث (من كذب علي) جمع طرقه الطبراني وابن الجوزي.
وحديث (لا نكاح إلا بولي) جمع طرقه شرف الدين الدمياطي.
بل إن الخطيب نفسه ذكر جل هذه الأحاديث، في سياق ما ينصح بجمعه، اقتداء بالمحدثين الذين جمعوا تلك الأحاديث (?) . ومن قبله ذكرها الحاكم في كتابه (معرفة علوم الحديث) ، في نوع خاص بها (?) .