يقول سفيان الثوري (ت 161هـ) : (فتنة الحديث أشد من فتنة الذهب والفضة) (?) .

فأنعم بهذه الفتنة التي يحتقر معها الدينار والدرهم!!!

ولصعوبة علم الحديث قل أهله العارفون به كما سبق!

يقول الإمام البخاري (ت 256هـ) : (أفضل المسلمين رجل أحيى سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أميتت؛ فاصبروا يا أصحاب السنن (رحمكم الله) ، فإنكم أقل الناس) .

فقال الخطيب عقبه: (قول البخاري: إن أصحاب السنن أقل الناس عنى به الحفاظ للحديث، العالمين بطرقه، المميزين لصحيحه من سقيمه، وقد صدق (رحمه الله) في قوله؛ لأنك إذا اعتبرت لم تجد بلداً من بلدان الإسلام يخلو من فقيه أو متفقه يرجع أهل مصره إليه، ويعولون فتاواهم عليه، وتجد الأمصار الكثيرة خالية من صاحب حديث عارف به، مجتهد فيه، وما ذاك إلا لصعوبة علمه وعزته، وقلة من ينجب فيه من سامعيه وكتبته. وقد كان العلم في وقت البخاري غضاً طرياً، والارتسام به محبوباً شهياً، والدواعي إليه أكبر، والرغبة فيه أكثر، وقال هذا القول الذي حكيناه عنه!!! فكيف نقول في هذا الزمان؟!! مع عدم الطالب، وقلة الراغب!! وكأن الشاعر وصف قلة المتخصصين من أهل زماننا في قوله:

وقد كنا نعدهم قليلاً ... فقد صاروا أقل من القليل (?)

وأقول: رحم الله الخطيب! فقد قامت المناحة على أهل الحديث من قرون!!! وما عادوا قليلاً ولا أقل من القليل، بل هم عدم من دهور، تكاد - والله - آثارهم تنمحي، وأخبارهم تنسى: (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) [يوسف: 21] .

لكننا ننتزع من كلمة الخطيب السابقة الروح التي قد تبعث موتى أهل الحديث، وتنشرهم من القبور؛ إنه التخصص الدقيق العميق في علم الحديث. إذ إن صعوبة علم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015