"وأما سائر عرب الجاهلية بعد الملوك منهم فكانوا طبقتين: أهل مدر، وأهل وبر. فأهل الدر هم أهل الحواضر وسكان القرى، وكانوا يحاولون المعيشة من الزرع والنخل والماشية والضرب في الأرض للتجارة، وغير ذلك من ضروب الاكتساب. ولم يكن منهم عالم مذكور، ولا حكيم معروف".
"وأما أهل الوبر فهم قطان الصحاري وعمار الفلوات، وكانوا يعيشون على ألبان الإبل ولحومها. وكانوا زمان النجعة ووقت التبدي يراعون جهات إيماض البروق ومنشأ السحاب، فيؤمونها منتجعين لمنابت الكلأ، مرتادين لمواقع القطر، فيخيمون هنالك ما ساعدهم الخصب وأمكنهم الرعي، ثم يقوضون لطلب العشب وابتغاء المياه، فلا يزالون في حل وترحال كما قال المثقب العبدي عن ناقته:
تقول إذا درأت لها وضيني: ... أهذا دأبه أبداً وديني
أكل الدهر حل وارتحال ... أما تبقي علي ولا تقيني؟