قال الطبري: "وكان النعمان هذا قد غزا الشام مراراً، وأكثر المصائب في أهلها، وسبى وغنم؛ وكان من أشد الملوك نكاية في عدوه، وأبعدهم مغاراً فيهم. وكان ملك الفرس قد جعل معه كتيبتين يقال لإحداهما: دوسر، وهي لتنوخ؛ وللأخرى: الشهباء، وهي لفارس، فكان يغزو بهما بلاد الشام، ومن لم يدن له من العرب".

وذكروا "أنه جلس يوماً في مجلسه من الخورنق، فأشرف على النجف وما يليه من البساتين والنخل والجنان والأنهار مما يلي المغرب، وعلى الفرات مما يلي المشرق، وهو على متن النجف في يوم من أيام الربيع، فأعجبه ما رأى، فقال لوزيره: هل رأيت مثل هذا المنظر! فقال: لا، لو كان يدوم! قال: فما الذي يدوم؟ قال: ما عند الله في الآخرة! قال: فبم ينال ذلك؟ قال: بترك الدنيا وعبادة الله. فترك مكله من ليلته، ولبس المسوح، وخرج مستخفياً هارباً لا يعلم به، وأصبح الناس لا يعلمون بحاله إلى أن علموه. وفي ذلك يقول عدي بن زيد العبادي:

وتبين رب الخورنق إذ أش ... رف يوماً وللهدى تبصير

سره حاله وكثرة ما يم ... لك والبحر معرض والسدير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015