فلما كان من الغد، ركب الأبزاعجي إلى الحبس، وجاء، وقد اجتمع الناس، ليضرب أعناق القوم.
فصاح به الملّاح: أيّها الأستاذ- وكذا كان يخاطب، وهو رسم لكلّ من يتقلّد رئاسة الشرطة ببغداد- بوقوفك بين يدي الله، أدعني، واسمع منّي كلامي، فلست من اللصوص الذين أخرجتهم، وأمرت بصلبهم، وأنا مظلوم، وقد وقعت بي حيلة.
فأنزله، وقال له: ما قصّتك؟
فشرح [180] له حديثه على حقيقته.
فدعا بنا، وقال: ما هذا الرجل؟
فقلنا: ما نعرف ما يقول، سلّمت إلينا عشرين رجلا، وهؤلاء عشرون رجلا.
فقال: قد أخذتم من أحد اللصوص دراهم، وأطلقتموه، واعترضتم هذا، من الطريق، رجلا، غريبا، بريئا، فأخذتموه.
فقلنا: ما فعلنا هذا، اللصّ الذي سلّمته إلينا، هو هذا.
فضرب أعناق الجماعة، وترك الملّاح، وقال: هاتم السجّانين، والبوّابين.
فجاءوا، فقال لهم: هذا من جملة العشرين الذين أخذناهم؟
فتأمّلوه، بأجمعهم، وقالوا: لا.
ففكّر ساعة، ثم أمر بإطلاقه.
ثم قال: هاتموه إليّ، فرددناه.
فقال: اشرح لي قصّتك، فأعاد عليه الحديث.
فقال له: في نصف الليل، أيّ شيء كنت تعمل هناك، في ذلك الموضع؟