يعني أن خلو الزمان من مجتهد قبل تزلزل القواعد جائز عقلًا كما يدل عليه ظاهر استدلال ابن الحاجب والآمدي وغيرهما ويحتمل أن يكون الجواز شرعيًا كما قال سعد الدين التفتازاني وكلما جاز الشيء شرعًا جاز عقلًا ولا ينعكس إلا جزئيًا:
وإن بقول ذي اجتهاد قد عمل ... من عم فالرجوع عنه منحظل
يعني أن العامي إذا عمل بقول مجتهد في مسألة لا يجوز له اتفاقًا الرجوع عنه إلى قول غيره في مثلها لأنه قد التزم ذلك القول بالفراغ من العمل به ونعني بهذا العامي الذي لم يلتزم مذهبًا معينًا وإلا فسيأتي في قوله وذو التزام مذهب إلخ ...
فالمراد بقولنا التزام ذلك القول التزامه في تلك الحادثة فقط لا التزام جميع ما قال وإذا قلنا بوجوب تكرار سؤال المجتهد إذا عاد مثل ما أفتى به أولًا فسأله فتغير اجتهاده لم يجب عليه العمل بقوله الثاني لأنه لم يلتزمه بالفراغ من العمل به بل يتخير بينه وبين الآخذ بقول غيره إلا أن اعتقد أحدهما أرجح وأوجبنا إتباع الأرجح قاله في الآيات البينات:
إلا فهل يلزم أو لا يلزم ... إلا الذي شرع أو يلتزم
ببناء الأفعال الأربعة للفاعل يعني أنه إذا لم يعمل به بعدما أفتاه المجتهد فقيل يلزمه العمل به بمجرد الإفتاء لأنه في حقه كالدليل في حق المجتهدين وقيل يلزمه العمل به بالشروع في العمل به بخلاف ما إذا لم يشرع وقضية هذا القول أنه لو شرع في العمل به ثم تركه لم يجز له الرجوع عنه لحصول الشروع وقيل يلزمه العمل به أن التزم العمل به في تلك الحادثة قال في الآيات البينات ولعل المراد به أي بالالتزام العزم على العمل به وينبغي أن يكون الشروع في العمل به كالالتزام أو هو منه وأما الفراغ من العمل فالتزام بلا شبهة بدليل أنهم نقلوا الإجماع على منع الرجوع بعد العمل وأن الخلاف فيما قبل العمل انتهى.