كان جماعة للكتب، وقد آلت إليه خزانة صديق له كان مشتهرا بجمع الخطوط القديمة، قال ابن إسحاق: "فرأيتها وقلبتها فرأيت عجبا إلا أن الزمان قد أخلقها وعمل فيها عملا أدرسها. ورأيت ما يدل على أن النحو عن أبي الأسود ما هذه حكايته وهي أربع أوراق وأحسبها من ورق الصين ترجمتها: هذه فيها كلام في الفاعل والمفعول من أبي الأسود رحمة الله عليه بخط يحيى بن يعمر، وتحت هذا الخط بخط عتيق هذا خط علان النحوي وتحته هذا خط النضر بن شميل"1.

وقد درج على هذا الرأي متقدمو المؤرخين من أصحاب الطبقات والمعاجم، واحتذى حذوهم المتأخرون عدا الأنباري، فمن الغريب بعدئذ أن يستنكر المستشرقون هذه النسبة المتواطأ عليها قديما وحديثا زعما منهم أن عصر أبي الأسود لا يتواءم وهذه الاصطلاحات الوضعية المرتبة التي بأيدينا، وإنما هي وليدة عصر متأخر عنه، تطور فيه التعليم حتى صار مناسبا لهذه القواعد المرتبة، قالوا: "وليس حقا ما يقال إنه "أبو الأسود" واضع أصول النحو العربي"2.

وقد اقتفى أثرهم بعض علماء العصر الحاضر، ولهذا تخلص الأستاذ أحمد أمين من الموقف بتأويل بعيد تذرع به إلى التوفيق بين الاعتراف بما هو مستفيض شائع وبين هذا الرأي الجديد، وتلمس وجها لنسبة الوضع إلى أبي الأسود بعد تسليم صحتها لكن على وجه آخر فقال: "ويظهر لي أن نسبة النحو إلى أبي الأسود لها أساس صحيح، وذلك أن الرواة يكادون يتفقون على أن أبا الأسود قام بعمل من هذا النمط، وهو أنه ابتكر شكل المصحف. وواضح أن هذه خطوة أولية في سبيل النحو تتمشى مع قانون النشوء، وممكن أن تأتي من أبي الأسود، وواضح كذلك أن هذا يلفت النظر إلى النحو، فعمل أبي الأسود يسلم إلى التفكير في الإعراب ووضع القواعد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015