وتهيئ لها طريقا آخر، بل زاد عندئذ البصريون نشاطا ومثابرة على السير في منهاجهم، إذ قد بدأ وقت ذاك اختبال1 الألسن ودخل إلى الطباع الفساد وخلص شيء من ذلك إلى الأجيال الناشئة في الحضر فاختلف المصران بعضهما عن بعض وتمكنت منهما العصبية، وأخذ كل في الطعن على الآخر.

كل ذلك حمل كثيرا من البصريين على التطواف في الجزيرة العربية ولم يقنعهم ما بين ظهرانيهم2 فارتحل من رجال الطبقة الثالثة الخليل ويونس وغيرهما، ومن الرابعة أبو زيد وأبو عبيدة والأصمعي، وأخذوا عن القبائل، وإن توافر على الأصمعي ميله إلى غير النحو والصرف من علوم اللغة العربية.

فأخذوا عن القبائل البعيدة من أطراف الجزيرة والباقية في سرتها3 من جفاة الأعراب وأهل الطبائع المتوقحة، وتحاموا سكان الأطراف الحضريين المخالطين لغير العرب، وربما كان أوفى كتاب استقرأ القبائل من الصنفين كتاب الألفاظ والحروف للفاربي، وقد نقل كلامه بنصه السيوطي في المزهر "النوع التاسع الفصل الثاني في معرفة الفصيح من العرب".

فأجهد هؤلاء العلماء أنفسهم وشرقوا وغربوا وتحملوا ذلك الشهور والأعوام وما بالوا ما نالهم من نصب أو مخمصة تفانيا في التثبت بأنفسهم من سلامة ما يروون عن العرب، فشافهوهم في أوديتهم وسمعوا منهم في أخبيتهم ومراعيهم وأسواقهم ومجتمعاتهم، وقدموا للعلم خدمة جلى4 ويدا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015