نسيم الصبا (صفحة 26)

ونحن تجاه جزيرة، تسر النفوس بمحاسنها الغزيرة، فانحدرت ماضياً إلى بينها، نائياً عن السفينة وساكنيها، فوجدتها مخضرة الأفنان، مخضلة الكثبان، بها من الياقوت ما يرجع خاسئاً مناويه، ومن الأشجار ما يحمل الفواكه والأفاويه. وبين رياضها نهر شديد الخصر، أرضه ذهب وحصباؤه درر، وأمواجه عكن وداراته سرر:

عذب إذا ما عب منه ناهل ... فكأنه من ريق خود ينهل

لين الأديم، مزاجه من تسنيم، يصقله الصبا ويفركه النسيم، فكأنه دروع موضونة، أو مبارد مسنونة، أو دمع يتسلسل، أو أفاع تتململ، أو ذوب فضة يسيل، أو صفحة سيف صقيل، أو لوح بلور مرقوم، أو رحيق بالمسك مختوم:

وكأن الطيور إذ وردته ... من صفاء به تزق فراخا

إن مالت إليه الغصون فالشخوص ترقص في الخيال، وإن كرعت منه الظباء فالغيد يرشفن من ثغور أترابهن الزلال. وإن أشرقت عليه النجوم خلت الفلك يدور في أرجائه، وإن تجلى له البدر حسبته قلباً خافقاً بين أحشائه. قال مؤيد الدين الطغرائي:

والشمس إن وافته رأد الضحى ... حسناء في مرآته ناظره

طور بواسطة نورين ميديا © 2015