قد أطبقت على الأرض، وكأن شفرة مطرورة مشحوذة قد أجهزت على رقبتها، وكأن حريقا قد اشتعل في قلبها بنار الغضى التي لا يخبو أوارها، ولا يسكن لهيبها، وتتوقد جمرتها، ويذكو لظاها ... ولم تزد على أن قالت: لن أقول إلّا ما قاله يعقوب:
«صبر جميل والله المستعان على ما تصفون» .
والله لا أتوب إلى الله مما ذكرت أبدا، فإن الله يعلم أني بريئة ... ثم أمسكت عن الكلام وقد أخذتها رعدة شديدة، وضربات قلبها مسرعة، ونفسها مبهور، ومحاجرها تهضب بسخاء ...
وبينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا بغتة غشاه الوحي، فسجي بثوبه، ووضعت وسادة تحت رأسه، وما هي إلا لحظات غير طويلة حتى سرّي عنه، فجلس يمسح عرقه ويقول:
«أبشري يا عائشة، فقد أنزل الله براءتك» ثم خرج إلى الناس يقرأ عليهم قوله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (?) والإفك هو الكذب المختلق المفترى المكذوب وهو التخرص والإرجاف والبهتان والدعاوى الباطلة الفاحشة، التي لا ظل لها من حقيقة.