ولا يسكن لهيبها، وكان هذا الصراع نتيجة انقسام النساء إلى معسكرين، أو جبهتين متقابلتين، الجبهة الأولى بقيادة عائشة، والآخرى جبهة صلبة أيضا لا تقل ضراوة وصلابة عن الأولى.
وكان طبيعيا أن يضيق رسول الله صلى الله عليه وسلم بحرب الضرائر الضروس المشتعلة، وكان لا بد أن يتخذ إجراء لردع هذا الصراع أو على الأدنى التقليل من حدته، فقرر صلى الله عليه وسلم أن يعتزلهن جميعا شهرا كاملا....
وسرت الأنباء، وطارت الشائعات هنا وهناك تبث في كل مكان، وتفري الفري بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد طلّق نساءه جميعا.
هذا الخبر المكذوب الذي لا ظل له من حق ولا حقيقة تناقله الناس همسا في مجالسهم ومنتدياتهم لغرابته، ثم إن ذلك في حالة صدقه لا يكون إلا لأمور في غاية الشدة والتعقيد، والناس مغرمون من قديم باستطلاع هذه الخصوصيات التي تقع ما بين آحادهم، لكن عندما يكون الأمر خاصا برسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يكون أمرا ذا بال، ولا يحتمل السكوت عنه- في نظرهم-.
ولم يكن مستغربا أن تلوك الألسنة هذا الخبر من قطاع كبير من الناس، فمن كان من المسلمين كان مفزوعا لهذا راجيا أن يكون الخبر غير صادق، وسائلا الله عزوجل أن يدفع عن حبيبه ومصطفاه كل هم وغم وبلاء، حتى يتفرغ لرسالة ربه، وما نيط به من مسؤلية التبليغ.
أما الكافرون فيستثمرون أي اضطراب ولو كان قليلا أو غير ذي بال لإحداث الشائعات والبلابل، كالنار التي ترعى الهشيم للثلب والطعن في النبي والنبوة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان في كلاءة ربه وحفظه،