وكانت غريزة الأنوثة دائما تحرض وتهيج عائشة رضي الله عنها على الغيرة، وتحفزها وتستحثها على الضيق الذي كان مضمرا مكتوما في صدرها، محبوسا مكبوتا في طويتها، لم يطّلع عليه أحد، ولم يعرفه إنسان.

ولعل الفطرة التي جبلت عليها النسوة- وهي القاسم المشترك في كل منهن- هي أن الواحدة منهن ترغب في امتلاك زوجها ولا ترضى أن يلتفت عنها إلى غيرها لا كليا ولا جزئيا، سواء كانت ضرة أو غيرها، حليلة أو خليلة، ولا يمكن لعائشة ولا غيرها أن تسيغ حياة الضرائر بوجه من الوجوه.

وكانت عائشة رضي الله عنها على حق في غيرتها الشديدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يدانيه بشر في خلقه ولا خلقه، ولا يرقى إليه في جمال بدنه وجمال روحه بشر ... فأنّى لزوجة له لا تغار عليه، وهو من هو لا ضريب له في عالم الرجال، ناهيك بعالم المثل العليا والأخلاق الراقية المعصومة من أوضار الهوى، ونزوات النفوس، وأرجاس الشهوات.

كلما ذكر عليه الصلاة والسلام خديجة وزير الصدق على الإسلام، وكلما تذكر قبرها بالحجون، وكفت وهضبت عيناه وبدا على محياه الشريف، وعلى وجهه الكريم التأثر الشديد، والأسى البالغ بما لا يستطاع كتمانه أو دفعه أو تجفيف منابعه. كان هذا الاختلاج والتفاعل الشعوري واللاشعوري مرئيا ملحوظا على صفحة وجهه صلى الله عليه وسلم يراه القاصي والداني، ولا ينكره صلى الله عليه وسلم، وتهيج الذكر بين فينة وفينة، ومن حين لاخر.

وقد زاد من حزن عائشة، وحمل عليها من لواعج الأسى ومواجيد القسوة عدم إنجابها الولد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن العرب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015