باقي السورة بعد ذلك، وبالجملة فكون القرآن لم ينزل جملة وإنما نزل مفرقاً حسب الوقائع والحوادث مما لم ينازع فيه أحد.

وقد اختص القرآن الكريم من بين الكتب السماوية بأنه نزل مفرقاً كما دل على ذلك القرآن والسنة: {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً} (الإسراء: 106) ، وقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} (الفرقان: 32) ، وكما ذكر العلماء في نزول القرآن الكريم أن أول ما نزل {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (اقرأ: 1) ، أما الكتب السماوية السابقة فإنها نزلت جملةً واحدة كما هو المشهور بين العلماء وعلى ألسنتهم حتى كاد يكون إجماعاً لما ذكرناه ولما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير1 عن ابن عباس قال: قالت اليهود: يا أبا القاسم لولا أنزل هذا القرآن جملة واحدة كما أنزلت التوراة على موسى فنزلت وأخرجه من وجه آخر بلفظ (قال المشركون) ، قال السيوطي2: فإن قلت: ليس في القرآن التصريح بذلك، وإنما هو على تقدير ثبوت قول الكفار، قلت: سكوته تعالى عن الرد عليهم في ذلك وعدوله إلى بيان حكمته دليل على صحته، ولو كانت الكتب كلها نزلت مفرقة لكان يكفي في الرد عليهم أن يقول: إن ذلك سنة الله في الكتب التي أنزلها على الرسل السابقين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015