النهايتين اللتين إحداهما نهاية المعمورة من جهة الجنوب، وأكثرها خلاء لشدة الحر وقلة المياه، والنهاية الثانية نهاية المعمورة في جهة الشمال، وأكثرها خلاء لشدة البرد، وأيضا بان مع ما ذكرناه وقدمنا وصفه أن الناظر إذا نظر إلى هذه الصفات المصورة والبلاد المذكورة رأى منها وضعا صحيحا وشكلا صبيحا، لكن يبقى عليه بعد ذلك أن يعلم صفات الممالك وهيئات الأمم وحلاها وزيها وطرقاتها المسلوكة بأميالها وفراسخها وعجائب بلادها» .
وأما الأبواب السبعة المتتالية، فقد خصّص كل باب منها للتعريف بإقليم من هذه الأقاليم «السبعة» المتعارف عليها في الجغرافية القديمة لدى «بطلميوس» ومن تابعه، مع توزيعها في داخلها على عشرة أجزاء، يسير في وصفها من الغرب إلى الشرق، ابتداء بالمحيط الأعظم (الأطلسي) عند الجزائر الخالدات، وانتهاء ببحر الصين، معتمدا في هذه الطريقة الوصفية على «المدن» كنقط ارتكاز للوصف، وكأنه يسير في رحلة في نواحي الجزء الذي يصفه.
وبهذا نجد أن «النزهة» قد امتازت عن غيرها من المؤلفات الجغرافية التراثية السالفة عليها بأنها تحمل تصورا عاما يشمل الكرة الأرضية كلها على أنها «كل واحد» جدير بالوصف والتحقيق، المبني على المشاهدة، والقياس، والمقارنة، والربط بين الأجزاء، مع مراعاة النسب فيما بينها، وإن أدى تقسيمها إلى أبواب وفصول إلى تقطيع البلد الواحد في أجزاء متناثرة في الأقاليم، يتطلب جمعها مجهودا خاصا.
مصادر مادة الكتاب:
أجمل «الإدريسي» في مقدمة كتابه جل مصادره، قائلا: « ... فمن بعض معارفه (معارف رجار الثاني) السنية، ونزعاته الشريفة العلوية، أنه لما اتسعت أعمال مملكته، وتزايدت همم أهل دولته، وأطاعته البلاد الرومية، ودخل أهلها تحت طاعته وسلطانه، أحب أن يعرف كيفيات بلاده حقيقة، ويقتلها يقينا وخبرة، ويعلم حدودها ومسالكها برا وبحرا، وفي أي إقليم هي، وما يخصها من البحار والخلجان الكائنة بها، مع معرفة غيرها من البلاد والأقطار في الأقاليم السبعة التي اتفق عليها المتكلمون، وأثبتها في الدفاتر الناقلون والمؤلفون، وما لكل إقليم منها من قسم بلاد يحتوي عليه ويرجع إليه، ويعد منه، بطلب ما في الكتب المؤلفة في هذا الفن من علم ذلك كله، مثل: كتاب
€