فلما أتا (?) بالأسارى أتا (?) معهم إرميا،
فقال له بخت نصّر: ما لي أراك مع أعدائي بعد أن أمّنتك وأكرمتك؟
فقال له إرميا: إنّما جئتهم محذّرا، وأخبرتهم بخبرك، وقد وضعت لهم علامة تحت سريرك وأريتهم موضعه.
قال بخت نصّر: وما مصداق ذلك؟
قال إرميا: إرفع سريرك، فإنّ تحت كل قائمة حجر دفنته. فلما رفع سريره وجد الحجارة، وتحقّق مصداق ذلك.
قال: يا إرميا، لو علمت أنّ فيهم خيرا أوهبتهم لك.
فقتلهم، وأخرب مدائن مصر وقراها، وسبا (?) جميع أهلها، ولم يترك بها أحدا، حتى بقيت أربعين سنة خرابا ليس فيها ساكن، يجري نيلها ويذهب ولا ينتفع به.
فأقام إرميا بمصر، واتخذ فيها جنينة وزرعا يعيش به. فأوحى الله تعالى إلى إرميا: إنّ لك عن الزرع والمقام بمصر شغلا، فكيف تسعك أرض وأنت تعلم سخطي على قومك؟ فالحق بأيليا (?) حتى يبلغ كتابي أجله. فخرج منها حتى بيت المقدس.
ثم إنّ بخت نصّر ردّ أهل مصر إليها بعد أربعين سنة فعمّروها وسكنوها، فلم تزل مقهورة من يومئذ (?).
وأمّا ما نسخ قهرها، فقد روي عن عبد الرحمن بن غنم الأشعريّ أنه قدم من الشام إلى مصر، إلى عند عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال له عبد الله:
ما أقدمك إلى بلادنا؟
قال: أنت.
قال: لماذا؟
قال: كنت تحدّثنا أنّ مصر أسرع البلاد خرابا، ثم أراك قد اتخذت فيها الرباع، وبنيت فيها القصور، واطمأننت فيها.
فقال عبد الله: إنّ مصرا وقت خرابها حطمها بخت نصّر فلم يدع فيها إلاّ السباع والضياع، وقد مضى خرابها، وهي اليوم أطيب الأرض ترابا، وأبعدها خرابا، ولم تزل البركة فيها ما دام في شيء من الأرض بركة (?).