نور الشريف الحسني البريلوي، كان من ذرية الأمير الكبير بدر الملة المنير شيخ الاسلام قطب

الدين محمد بن أحمد المدني.

ولد في صفر سنة إحدى ومائتين وألف ببلدة رائي بريلي في زاوية جدة السيد علم الله النقشبندي

البريلوي، ونشأ في تصون تام وتأله، واقتصاد في الملبس والمأكل، ولم يزل على ذلك خلفاً صالحاً،

براً تقياً، ورعاً عابداً ناسكاً، صواماً قواماً، ذاكراً لله تعالى في كل أمر، رجاعاً إليه في سائر الأحوال،

وقافاً عند حدوده وأوامره ونواهيه، لا تكاد نفسه تقنع من خدمة الأرامل والأيتام، كان يذهب إلى

بيوتهم ويتفحص عن حوائجهم، ويجتهد في الاستقاء والاحتطاب واجتلاب الأمتعة من السوق، ولكنه

مع ذلك كان لا يرغب إلى تلقي العلوم المتعارفة، فإن لم يحفظ من القرآن الكريم إلا سوراً عديدة،

ومن الكتابة إلا نقش المفردات والمركبات، وذلك في ثلاث سنين، وكان صنوه الكبير إسحاق بن

عرفان البريلوي يحزن لذلك، وكان بصدد تعليمه، فقال والده: دعوه وشأنه وكلوه إلى الله سبحانه

فأعرض عنه، فلم يزل كذلك حتى شد عضده، فرحل إلى لكهنؤ مع سبعة رجال من عشيرته، وكان

الفرس واحداً يركبونه متناوبين، وهو ترك نوبته لهم، فلما قطعوا مرحلة واحتاجوا إلى حمال يحمل

أثقالهم، وجدوا في البحث عنه فما وجدوه وهو يرى ذلك، فقال لهم: إن لي حاجة إليكم أرجوكم أن

تفضلوا علي بإسعافها، فقالوا له: على الرأس والعين، فقال لهم: أكدوا قولكم بالأيمان، فأكدوها، فقال:

اجمعوا أثقالكم وضعوها على رأسي، فإني أقدر أن أحتملها، فحملها ودخل لكهنؤ، فلقيه أحد رجال

السياسة وأكرمه، وكان مأموراً من الدولة أن يجمع مائة رجل من الفرسان للعسكر، ففوض إليه

خدمتين من الخدمات العسكرية، فتبرع بهما لرجلين من رفقائه، وسار مع العساكر السلطانية، فلما

وصل إلى بادية محمد ورغب السلطان إلى التنزه والصيد، غاب ذات يوم عن رفقائه، فاغتموا وظنوا

أنه كان فريسة سباع، حتى لقيهم رجل من أهل البادية، وقص عليهم أني رأيت رجلاً وضيئاً يلوح

على جبينه علائم الرشد والسعادة وعلى رأسه جرة ملآنة يحملها ويذهب فرحان نشيطاً مع فارس من

فرسان العسكر، وكان العسكري يقول: إنه وجدني في أثناء الطريق، وكان معي حمال ضعيف، لا

يستطيع أن يحمل إلا بشق النفس، إلا أنه حملها خوفاً مني، فكان يبكي فتقدم إلى هذا الرجل وشفع له

فقلت له: إني لا أستطيع أن أن أحملها فوق رأسي، فإذا رق له قلبك ورثيت لضعفه فتقدم وأحمل،

فرضي بذلك وحملها وكانت رفقته يعلمون عادته فعلموا أنه هو.

قال السيد محمد علي بن عبد السبحان البريلوي صاحب المخزن: إنه كان قبل غيبته يحرضني على

الترك والتجريد والاقبال على الآخرة، ويقول: اذهبوا إلى دهلي ولازموا صحبة الشيخ عبد العزيز

بن ولي الله الدهلوي واغتنموه، فلما ظن أني لا ألازمه في السفر ذلك ولا أرضي أن يذهب ويلقى

نفسه في الخطر، غاب عني وذهب بنفسه حتى دخل دهلي، فلما سمع الشيخ عبد العزيز المذكور أنه

سبط الشيخ أبي سعيد وابن أخ السيد نعمان، تلقاه ببر وترحيب، وأسكنه في المسجد الأكبر آبادي عند

صنوه عبد القادر وأوصاه به، فتلقى منه شيئاً نزراً من العلم، وبايع الشيخ عبد العزيز وأخذ عنه

الطريقة حتى نال حظاً وافراً من العلم والمعرفة، وفاق الأقران، وأتى بما يتحير منه أعيان البلدة في

العلم والمعرفة، وكان ذلك في سنة اثنتين وعشرين ومائتين وألف.

ثم غلب عليه شوق الجهاد في سبيل الله، فذهب إلى معسكر الأمير المجاهد نواب مير خان، ولبث

عنده بضع سنين، وكان يحرضه على الجهاد، فلما رأى أنه يضيع وقته في الاغارة ويقنع بحصول

المغنم، وعلم أنه عزم على مسالمة الانجليز والهدنة تركه ورجع إلى دهلي وشد المئزر بنصرة السنة

المحضة والطريقة السلفية، واحتج ببراهين ومقدمات وأمور لم يسبق إليها وأطلق عبارات أحجم عنها

الأولون والآخرون وهابوا وجسر هو عليها، حتى أعلى الله مناره وجمع قلوب أهل التقوى على

محبته والدعاء له، وكبت أعداءه وهدى رجالاً من أهل الملل والنحل، وجبل قلوب الأمراء على

الانقياد له غالباً وعلى طاعته، وأول من دخل في بيعته الشيخ عبد الحي ابن هبة الله البرهانوي

والشيخ إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي وناس كثيرون من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015