بنصرة الدين الذي أيد الاسلام وفتح الفتوحات
العظيمة وساس الأمور وأحسن إلى الرعايا وصرف أوقاته في القيام بمصالح الناس وبما يرضى به
رب العالمين من صيام وقيام ورياضة لا يتيسر بعضها لآحاد الناس فضلاً عن الملوك والسلاطين،
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
ولد ليلة الأحد لخمس عشرة خلون من ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وألف بقرية دوحد على مائة
أميال من أجين وسبعين ميلاً من بزوده من بطن أرجمند بانو بنت آصف جاه أبي الحسن بن غياث
الدين الطهراني في أيام جده جهانكير بن أكبر شاه، فعمل لولادته بعض العلماء تاريخاً من آفتاب
عالمتاب، ونشأ في مهد السلطة وتنبل في أيام جده وأبيه، وقرأ العلم على مولانا عبد اللطيف
السلطانبوري ومولانا محمد هاشم الكيلاني والشيخ محي الدين بن عبد الله البهاري وعلى غيرهم من
الأساتذة، وأخذ خط النسخ عن الحاج القاسم والنستعليق عن السيد علي بن محمد مقيم الماهرين في
الخط حتى كتب خط المنسوب وصار مضرب المثل في جودة الخط، وبرز في كثير من العلوم
والفنون، وبايع الشيخ محمد معصوم بن الشيخ أحمد السرهندي وأخذ الطريقة عن الشيخ سيف الدين
بن محمد معصوم المذكور وكان يلازمه بأمر والده وعظم قدره، فولاه والده الأعمال العظيمة في
أرض الدكن فباشرها أحسن مباشرة، ثم حصل لوالده مرض صعب عطله عن الحركة وكان ولي
عهده من بعده أكبر أولاده دارا شكوه فبسط يده على البلاد وصار هو المرجع والسلطان معنى، فلم
ترض نفوس إخوته بذلك فنهض شجاع من بنكاله ومراد بخش من كجرات وعالمكير من أرض
الدكن كل منهم يريد أن يقبض على أخيه دارا شكوه ويتولى المملكة، فاتفق عالمكير ومراد بخش
على ذلك فقاتلاه وغلبا عليه، ثم احتال عالمكير على مراد بخش وقبض عليه، واعتقل أخويه ثم
قتلهما لأمور صدرت منهما وأفتى العلماء أنهما استوجبا القتل، وحبس والده في قلعة أكبر آباد وهيأ
له ما يشتهيه من الملبوس والمأكول وأهل الخدمة من الجواري والغلمان، وكانت جهان آرا بيكم بنت
شاهجهان تقيم مع والدها في القلعة والسيد محمد الحسيني القنوجي يلازمه يشتغل عليه ويذاكره في ما
ينفعه في عقباه.
وجلس عالمكير على سرير الملك سنة ثمان وستين وألف فافتتح أمره بالعدل والاحسان ورفع
المظالم والمكوس وأسر غالب ملوك الهند المشهورين وصارت بلادهم تحت طاعته وجبيت له
الأموال وأطاعته البلاد والعباد، ولم يزل في اجتهاد من الجهاد ولم يرجع إلى مقر ملكه وسلطته بعد
أن خرج منه، وكلما فتح بلاداً شرع في فتح أخرى حتى لحقت حدود ملك في الجهة الشمالية إلى
حدود خيوا وبخارا وفي الجهة الجنوبية إلى البحر المحيط الهندي وفي الجهة الغربية إلى سومنات
على شاطىء بحر الهند وفي الجهة الشرقية إلى بوري منتهى أرض أزيسه.
وكان عالمكير
عالماً ديناً تقياً متورعاً متصلباً في المذهب، يتدين بالمذهب الحنفي لا يتجاوز عنه في قول ولا فعل
وكان يعمل بالعزيمة، وكان يصلي الصلوات المفروضة في أوائل أوقاتها بالجماعة في المسجد مهما
أمكن ويقيم السنن والنوافل كلها ويصلي صلاة الجمعة في الجامع الكبير ولو كان غائباً عن البلدة
لأمر من الأمور يأتيها يوم الخميس ويصلي صلاة الجمعة ثم يذهب حيث شاء، وكان يصوم في
رمضان في شدة الحر ويحيى الليل بالتراويح ويعتكف في العشرة الأخيرة من رمضان في المسجد
وكان يصوم يوم الاثنين والخميس والجمعة في كل أسبوع من أسابيع السنة ويصوم في أيام ورد عن
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يصوم فيها، وكان يخرج الزكاة من أمواله قبل أن يجلس على
سرير الملك وبعده مما خص لنفسه من عدة قرى وبعض معادن الملح للمصارف الخاصة من نقير
وقطمير، وكان يريد أن يرحل إلى الحرمين الشريفين للحج والزيارة في أيام والده فلم يرض بفراقه
وبعد ذلك لم تمهله المصالح الملكية ولكنه كان يرسل الناس إلى الحرمين الشريفين للحج والزيارة
ويبذل عليهم العطايا الجزيلة ويبعث إليهما أموالاً طائلة لهل الحوائج في أيام الحج بعد سنة أو سنتين،
ويوظف الذاكرين والذاكرات ويجعل لهم الأرزاق السنية، ويداوم على الطهارة بالوضوء، ويحافظ
على الأذكار والأدعية المأثورة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غالب