غضنفر خان وتمتع به مدة، ثم ولي خدمته في بهكر فأقام بها زماناً، ثم ولي بدار الإنشاء، وشفع له
بختاور خان العالمكيري إلى صاحبه فأعطاه المنصب وولاه بخشيكيري وظيفة توزيع الرواتب
وتحرير السوانح بدار الخير أجمير، فاستقل به زماناً طويلاً.
وكان نادرة من نوادر العصر في الإنشاء والترسل، له أبيات رقيقة رائقة بالفارسية، منها قوله:
بياد روي تو دارم هزار كونه فغان جو عندليب كه كل در خزان بياد آرد
الأمير عنبر الحبشي الأمجري
الأمير الكبير عنبر أبو الفتح الحبشي الأمحري وزير صاحب أحمد نكر، كان من الأمجرة وتسمى
قبيلته مايه، ويقال إنه من عبيد القاضي حسين المشهور بمكة، ثم اشتراه بعض التجار وجلبه إلى
الهند فاشتراه أنكسخان، ولما مات أنكسخان تنقلت به الأحوال إلى أن صار من عساكر عادل شاه
صاحب بيجابور، وكان المال الذي يعطاه لا يكفيه لكثرة سماحته وإنفاقه فاستزاده فلم يزده، فخرج
عنبر من حينه خائفاً يترقب سنة ست بعد الألف وهو يومئذ مفلس، وخرج معه السيد علي حداد
باعلوي، ثم وصل به الحال إلى أنه لم يقدر على نفقة يومه، ثم أعلم السيد علياً بما هو فيه فدعا الله
تعالى فوجدوا ركازاً جاهلياً، فاتسع أمره وأكثر من العساكر والأتباع ولا زال أمره يعظم، فاستدعاه
حسين نظام شاه صاحب أحمد نكر فانحاز إليه، وكان وزيره شجاعاً فاتكاً صاحب جيوش وأموال
مستولياً على المملكة وكان عنبر يعجز عن مقاومته، فصار يداريه ويترصد له فرصة حتى قتله على
حين غفلة وولي مكانه الوزارة، ورأى السلطان محبته وجده فأمده، واتفقت له وقائع كثيرة ونفذت
كلمته، ثم مات نظام شاه وكان ولده صغيراً فعقد له العنبر البيعة، ولم يكن له من السلطة إلا الاسم
وجميع الأمور بيد الوزير عنبر، كما كان الخلفاء العباسيون ببغداد، ثم استبد عنبر بالأمور واستمر
في القتال والجلاد، وأزال المظالم من تلك الجهة وعمرها، وأخمد الفتنة والبدعة، وعمر المساجد
والمآثر.
وكان مؤيداً في حروبه ومغازيه، مسدداً في رأيه، مسعوداً في أحواله، كثير الإحسان إلى السادة
وأهل العلم ومشايخ الطرق والصوفية يحمل كل سنة إلى حضرموت من الأموال والكسوات للسادة
والمشايخ والفقراء ما يقوم بهم سنة، وكان له ديوان مرتب باسم أرباب الرسوم والقصاد، ووقف
أربعة مصاحف بمدينة تريم، ووقف بمكة والمدينة مصحفين، واشترى في الحرمين دوراً ووقفها على
من يقرأ فيهما ويهدي ثواب القراءة إليه.
ومن آثاره الحسنة أنه عقم نهر الكركي، وهو نهر عظيم يمر تحت البلاد ولا تنتفع به، وسبب ذلك
أن بعض وزراء عادل شاه وهو ملا محمد الخراساني استبعد وقوع ذلك لسعته وكثرة مائه وظن أنه
يحتاج إلى عمل كثير لا يقدر عليه أحد من المخلوقات وغرم مالاً كثيراً للملك عنبر إن قدر على
ذلك، فشرع فيه وساعده القدر فكمل العمل في خمسة أشهر، وجعل له قنوات تجري إلى البساتين
والزراعات وكثر به النفع، وكانت عمارته في سنة أربع وعشرين وألف، واخترع الفضلاء لذلك
تواريخ عديدة، ومن ألطف ما قيل فيه خير جاري.
وأكثر من شراء الحبش، وكانت التجار يجلبونهم إليه ويتغالون في أثمانهم إلى أن كثروا جداً، يقال
إن جملة ما اشتراه من الذكور نحو ألفي حبشي، وكان أول ما يشتريه يسلمه إلى من يعلمه القرآن
والخط ثم إلى من يعلمه الفروسية واللعب بالسيف والعود والسهام إلى أن يتفرس في أنواع الحرب
والحيل والخداع ثم يترقى، وصاروا يترقون في المراتب ويتفاضلون في المناصب كل بمقدار سعيه
واستحقاقه ومرتبته، وكان له اعتناء باقامة الجماعة وأمور الدين، وكان لكل أمير منهم فقيه يتعلم منه
الفقه وأمور الدين، وإمام يصلي به ومؤذن، وجماعة يتدارسون القرآن، وجماعة يذكرون الله تعالى
ليلة الجمعة والإثنين، وكان لكل أمير سماط مملوء بأنواع الأطعمة الفاخرة، وبالجملة فانهم وإن كانوا
عبيداً حبشة فلم تكن العرب تفوقهم إلا بالنسب.
وقصده جماعة من مشاهير شعراء عصره من البلاد الشاسعة ومدحوه بأحسن المدائح، وكان إبراهيم
عادل شاه صاحب بيجابور يظهر له العداوة والحسد، وبلغ