النصير آبادي، ثم سافر مع
خاله إلى دار الملك ورافقه زماناً للاسترزاق ثم تنحى عنه واعتزل، وكان يأتي بحزمة من الحطب
على رأسه ويبيعها في عسكر خاله، فلما بلغ غاية من هضم النفس ارتحل إلى الشيخ آدم بن إسماعيل
الحسيني البنوري ولازمه مدة من الزمان وأخذ عنه الطريقة ونال حظاً وافراً من العلم والمعرفة،
فأراد أن يهاجر من الهند إلى البلد الطيب واستأذن شيخه، فأذن له بشرط أن لا يمنعه أحد من عباد
الرحمن، فعاد إلى بلدة نصير آباد واستصحب عياله مهاجراً إلى البلد الحرام، فلما وصل إلى مدينة
راي بريلي على مسافة يوم واحد من نصير آباد أقام بها للاستجمام وترويح النفس، ولقي الشيخ عبد
الشكور الجائسي وكان نزيلاً بها على شاطئ نهر سئ خارج البلدة، فمنعه عبد الشكور وأمره أن يقيم
في هذه البلدة وذكره ما أمره شيخه آدم، فألقى عصاه وأقام على شاطئ النهر وكان ذلك المقام غير
عامر فسكن بها ورحل إلى الحرمين الشريفين للحج والزيارة، ولما عاد إلى راي بربلي بنى المسجد
بذلك المقام سنة أربع وثمانين وألف، وقد عرض عليه عالمكير بن شاهجهان صاحب الهند أقطاعاً
من الأرض فلم يقبل، واستأثر الفقر والفاقة.
وكان عالماً ربانياً، عارفاً بالعلوم الشرعية والمعارف الإلهية، زاهداً قنوعاً عفيفاً ديناً، ملازماً لأنواع
الخير والعلوم، قوياً في دينه، جيد التفقه، كثير الصدقات والإيثار في حضره وسفره مع فقره وقلة
ذات يده بصدق وإخلاص وتوجه وعرفان وانقطاع بالكلية عن الناس قانعاً باليسير، وكان أحسن
الناس وجهاً وأتمهم خلقة، قد غشيه نور الايمان وسيماء الصالحين، إذا خرج نهاراً ازدحم الناس على
تقبيل يده والتبرك برؤية وجهه وهو يكره ذلك وينفر عنهم، وكان يغضب إذا مدح ويستبشر إذا
نصح، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحتسب على كل من رأى عليه أثراً خلافاً للشرع سواء
كان ملكاً قاهراً أو عالماً كبيراً أو شيخاً جليلاً، وكان يكثر الرد على المبتدعين ويظهر فضائحهم مع
استيلائهم على بلاد المسلمين في عصره، وكان لا يبالي إذا تمسك بالدليل بمن يخالفه كائناً من كان،
وله كشوف وكرامات ووقائع غريبة ذكر جملة من ذلك وجيه الدين اللكهنوي في بحر زخار، وغلام
سرور في خزينة الأصفياء، وسيدي الوالد في مهر جهانتاب وفي سيرة السادات، وأفرد في ترجمته
نعمان بن نور بن هدى الشريف الحسني النصير آبادي رسالة سماها بأعلام الهدى، وأفرد في
ترجمته السيد الوالد رسالته المسماة بالسيرة العلمية.
وفي خزينة الأصفياء: إن العلامة عبد الحكيم السيالكوتي كان يقول إن السيد علم الله أعطاني ربية
فوضعتها في الصرة وبقيت عندي بضع سنين فلم تنقطع عنها الربيات ما بقيت تلك الربية، انتهى.
وفي در المعارف للشيخ رؤوف أحمد، إن الشيخ غلام علي العلوي الدهلوي كان يقول إن عالمكير
بن شاهجهان رأى في المنام أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفي تلك الليلة، فعرض على العلماء
والمشايخ وسألهم تأويله، فأولوه بأنه توفي في تلك الليلة من كان له نسبة صحيحة بالنبي صلى الله
عليه وسلم وقدم راسخة في اتباعه، ثم أخبر بأن السيد علم الله توفي في تلك الليلة، فأجمع العلماء
والمشايخ على أنه هو المعبر عنه بذلك المنام، انتهى.
وله مصنفات، منها العطيات وعناية الهادي، توفي في تاسع ذي الحجة سنة ست وتسعين وألف،
وقبره مشهور ظاهر بزاويته في رأي بريلي خارج البلدة.
الحكيم عليم الدين الجنيوتي
الأمير الكبير الفاضل عليم الدين الجنيوتي اللاهوري نواب وزير خان، كان من الرجال المعروفين
بالفضل والكمال، ولد ونشأ بأرض بنجاب وقرأ العلم على من بها من العلماء، ثم تطبب على الحكيم
دواني وتقرب إلى شاهجهان بن جهانكير في حياة والده، فولاه على ديوان البيوتات ثم جعله قهرمانه
ثم ولاه على الخراج في ولايته، ولما قام بالملك بعد وفاة أبيه جهانكير أضاف في منصبه وأعطاه
مائة ألف من النقود على وجه الجائزة ثم أضاف في منصبه حتى صار خمسة آلاف له وخمسة آلاف
للخيل وولاه على أرض بنجاب، فاستقل بها سبعة أعوام، ثم ولاه على أكبر آباد فمات بها بعد عشرة
أشهر من ولايته.
ومن مآثره الجميلة بلدة عامرة بأرض بنجاب يسمونها وزير آباد، ومنها جامع كبير بلاهور وهو من