وكان مفرط الذكاء جيد القريحة، كثير الدرس والافادة، جعله غياث الدين بلبن معلماً
لأبنائه، فاشتغل بالتدريس مدة من الدهر، ثم اعتزله وانقطع إلى الزهد والعبادة، وأخذ
الطريقة عن الشيخ نظام الدين محمد البدايوني وصحبه زماناً، ومات في حياة شيخه
المذكور، كما في سير الأولياء.
القاضي فصيح الدين الهروي
الأمير الفاضل علاء الملك فصيح الدين الهروي الخراساني أحد الفقهاء الحنفية، كان
قاضياً ببلدة هراة، ثم وفد على محمد تغلق شاه سلطان الهند فولاه على مدينة لاهري
وأعمالها من بلاد السند.
ذكره ابن بطوطة في رحلته وقال: ولاهري مدينة حسنة على ساحل البحر الكبير، وبها
يصب نهر السند في البحر فيلتقي بها بحران، ولها مرسى عظيم يأتي إليه أهل اليمن وأهل
فارس وغيرهم، وبذلك عظمت جباياتها وكثرت أموالها، وقد أخبره الملك أن مجبي هذه
المدينة ستون لكا في السنة وللأمير من ذلك نيم ده يك، معناه نصف العشر، انتهى.
فيروز شاه الدهلوي
أبو المظفر كمال الدين فيروزشاه بن سالار رجب السلطان الصالح كان من بني أعمام محمد
شاه تغلق.
ولد سنة تسع وسبعمائة وتربى في حجر عمه غياث الدين وابن عمه محمد شاه المذكور،
وولي الحجابة مدة من الزمان، ولما مات محمد شاه اتفق الناس عليه وبايعوه في الرابع
والعشرين من محرم سنة 752 هـ، وكان يمتنع من ذلك فبالغ الناس في الإصرار عليه وألح
عليه الشيخ نصير الدين محمود الأودي وغيره من الصدور والقضاة والفقهاء، فتولى الملك
وافتتح أمره بالعدل والاحسان، وأسس مدينة كبيرة بقرب دهلي في سنة خمس وخمسين
وسبعمائة وسماها فيروزآباد، وأجرى نهراً من جمنا وأتى به إلى فيروزآباد، وأجرى نهراً
من نهر ستلج في سنة ست وخمسين وأتى به إلى مدينة جهجهر، والمسافة بينهما ثمانية
وأربعون كروهاً، والكروه في اللغة الفارسية ميلان، وكذلك أجرى نهراً في سنة سبع
وخمسين من جبل مندي وسرمور، وجمعها في سبعة أنهار فأتى به إلى آبسين، وبنى به قلعة
حصينة متينة سماها حصار فيروزه وكذلك أجرى نهراً من ماء كهكر في سنة اثنتين
وستين وأتى به إلى حصار سرستي، ثم أوصله إلى نهر سركهتره، وبنى به مدينة كبيرة
سماها فيروزآباد، وكذلك أجرى نهراً فيما بين سرستي وسليم، وكانت تلالاً كباراً فيما
بينهما فحفرها وواصل ماء سرستي بماء سليم، فاستقت بها أرض قفراء من سرهند
ومنصور بور وسنام وغيرها من البلاد، وكذلك نهر أخرجه من نهر جمنا مما يلي خضرآباد
وأتى به إلى سفيدون على ثلاثين ميلاً منه.
وبالجملة فإنه حفر خمسين نهراً، وبنى أربعين مسجداً، وعشرين زاوية ومائة قصر،
وخمسين مارستاناً، ومائة مقبرة، وعشر حمامات، ومائة جسر، ومائة وخمسين بئراً.
وأما الحدائق فإنه أسس ألفاً ومائتي حديقة بناحية دهلي وثمانين حديقة بناحية سادره
وأربعين حديقة بناحية جتور، كانت فيها سبعة أقسام من العنب، ويحصل له من تلك
الحدائق ثمانون ألف تنكة بعد وضع النفقات الكثيرة.
وتحصل له من دوآبه دهلي ثمانية ملايين تنكة ومن جبايات الهند ثمانية وستون مليوناً
ونصف مليون تنكة.
وكانت الوظائف والأرزاق في عهده للعلماء والمشايخ ثلاثة ملايين وستمائة ألف تنكة،
ولغيرهم من أرباب الحاجات عشرة ملايين تنكة، كما في تاريخ فرشته وغيره من كتب
الأخبار.
ومن مآثره الجميلة جامع كبير بدهلي، بناه فوق تل من الأحجار المنحوتة أبدع نحت،
ومنها المدرسة الفيروزية أسسها على الحوض الخاص بدهلي جامعة بين الحسن والحصانة،
يجري فيها الماء الغزير ولا