عقيلة، وأجازه بخطه الشريف إجازة وافية كافية،
وأحبه محبة صافية، ودعا له بأدعية مرجوة القبول إن شاء الله تعالى.
وشيخنا حسين ولي القضاء ببلدة لحية - بضم اللام - بلدة من بلاد اليمن قريبة من الحديدة مسافة
ثلاثة أيام أو أكثر، وتولى بها القضاء نحو أربع سنين، ثم استعفى منها لواقعة وقعت عليه، وهي أن
رجلاً من نواب الحديدة ممن بيده الحل والعقد من الأتراك يقال له أحمد باشا طلب من تجار اللحية
مكساً غير معين على اللؤلؤ الذي يستخرجونه من البحر من غير أن يعلم مقداره وثمنه، وأحضر
العلماء على ذلك وأراد منهم الفتوى، فامتنع الشيخ حتى إن الباشا المذكور أحضر المدفع لتخويفه
وقال له: إن لم تكتب على هذه الفتوى أرميك بهذا المدفع حتى يصير جسمك أوصالاً، فقال: افعل ما
أردت هذا لا يضر قطعاً لا عند الله ولا عند الناس ولا في العرف ولا في الاصطلاح، ولا عندك من
مولانا السلطان في ذلك حكم تحتج به علينا، ولو فرضنا أن عندك في ذلك حكماً فطاعة السلطان إذا
أمر بما أمر الله به فأمره مطاع، وإن أمر بخلاف الكتاب والسنة فلا طاعة له علينا، وحاشاه أن يحكم
بغير كتاب أو سنة! وهذا الاستعفاء مقدم في خدمتكم من هذا المنصب فشدد عليه ثلاثة أيام، ومنعه
من الأكل والشرب، وأصهره في الشمس ثلاثة أيام حتى تغيرت صورته، وأنكره كل من عرفه،
فتحمل هذه المشاق، ولم يرض أن يحكم بخلاف الكتاب والسنة وأقوال الأئمة، وترك وطنه ومسقط
رأسه، فقدم أرض الهند، وذلك بعد خمس سنين من الفتنة العظيمة بالهند فدخل بهوبال في عهد سكندر
بيكم وأقام بها سنتين، ثم رجع إلى وطنه، ثم عاد بعد خمس سنين في عهد شاهجهان بيكم، وأقام ببلدة
بهوبال أربع سنوات، ثم رجع إلى وطنه.
ثم عاد إلى الهند بعد خمس سنين، وتوطن ببلدة بهوبال، وكان في مدة إقامته هنالك قد طار صيته
في جميع الأقطار الهندية، وأقر له بالتفرد في علم الحديث وأنواعه كل أحد من كبار العلماء، وإني
رأيتهم يتواضعون له ويخضعون لعلمه، ويستفيدون منه، ويعترفون بارتفاع درجته عليهم وأخذ عنه
جماعة من أعيانهم كالسيد صديق حسن بن أولاد حسن الحسيني البخاري القنوجي، والشيخ محمد
بشير بن بدر الدين السهسواني، والشيخ شمس الحق بن أمير علي الديانوي والشيخ عبد الله
الغازيبوري، والشيخ عبد العزيز الرحيم آبادي، والمولوي سلامة الله الجيراجبوري والمولوي وحيد
الزمان الحيدر آبادي، والشيخ طيب ابن صالح المكي، وأبو الخير أحمد بن عثمان المكي، والشيخ
الصالح إسحاق ابن عبد الرحمن النجدي، وخلق كثير من العلماء.
وهذا العبد الضعيف - أصلح الله شأنه وصانه عما شأنه - قد أخذ عنه شيئاً كثيراً في علم الحديث،
فقرأت عليه أوليات الشيخ محمد سعيد سنبل، والحصن الحصين، وجامع الترمذي وسنن أبي داؤد،
وصحيح مسلم بن الحجاج النيسابوري، وصحيح الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، قرأتها عليه كلها
من أولها إلى آخرها، وقرأت عليه جملة صالحة من بلوغ المرام وسمعت بقراءة غيري عليه سنن
النسائي، وسنن ابن ماجة ومسند الدارمي، والمؤطا، والمشكاة وغيرها، وسمعت منه كثيراً من
الأحاديث المسلسلة كالحديث المسلسل بالأولية والمسلسل بالمحبة والمسلسل بيوم العيد والمسلسل بيوم
عاشوراء والمسلسل بالمصافحة والمسلسل بالمشابكة والمسلسل بالصحبة وغيرها، وقد أجازني إجازة
عامة تامة نفعنا الله ببركاته.
وشيخنا حسين لم يكن له كثرة اشتغال بتأليف، ولو أراد ذلك لكان له في الحديث ما لا يقدر عليه
غيره، وله رسائل حافلة ومباحث مطولة هي مجموعة في مجلد، وقد فاته كثير وذهب، ولكنه لم
يحرص على جمع ذلك، وله تعليقات على سنن أبي داؤد.
وقد كان كثير التردد إلى بلدة لكهنؤ في آخر عمره، وكان ينزل عندي، ويحبني كحب الآباء للأبناء،
وقد دخل لكهنؤ قبل موته بنحو أربعة أشهر، وأقام بها نحو شهر أو أقل، ثم رحل عنها إلى حبيب
كنج قرية من أعمال عليكده، بعد طلب مولانا حبيب الرحمن بن محمد تقي الشرواني، فأقام عنده نحو
أربعة أشهر، وفي آخر جمادى الأولى قوض خيام الارتحال منها إلى مدينة بهوبال فلم يمكث بها إلا
نحو خمسة عشر يوماً،