يسّر الله عليّ ما تعسّر. فكان غاية فيما يتعاطاه من العلوم كالعربية، والفقه، والحديث، والفرائض، والحساب. وكان عارفا بالنّوازل (?) والأحكام، ماهرا في التّوثيق، ذا نباهة زائدة، وفطنة وقّادة، وهمّة علية لا يعتريه طيش ولا انزعاج.

ثمّ (?) طلبه أهل بلده بتولّي القضاء بعد ما أيسوا من شيخنا أبي الحسن سيدي علي الأومي - رحمه الله تعالى - فألزموا الشّيخ كمّون وولوه مكرها، فلقيه شيخنا الأومي بعد تولّيه فبارك له (?) ودعا له الإعانة والتّسديد، فرد عليه متحسّرا بقوله: / مصائب قوم عند قوم فوائد (?)، فكان في أحكامه ذا رزانة وهيبة وشهامة ودهاء، إذا انتصب للقضاء هابه الخصوم، وانقاد النّاس للحقّ بأيسر الأمر. ومن كراهته للقضاء أنّه خرج يوما من مجلس حكمه، فخرج النّاس من أعوان وأصحاب دعاوي حتّى امتلأ الطّريق، فلقيتهم إمرأة فحسبتهم كانوا في جنازة، فقالت لهم: من مات؟ فأجابها الشّيخ القاضي بقوله: مات محمّد كمّون، يعني نفسه (?)، فكان فيه إشارة لطيفة لقوله عليه الصّلاة والسّلام: «من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكّين» (?)، أو كما قال: غريبة اتفاقية.

ثمّ إنّه - رحمه الله - كان واقفا مع الشّرع لا تأخذه في الله لومة لائم، فاتّفق أن تولى حمّودة الغزالي قائدا على البلد، وكان رجلا ظلوما غشوما ذا شدّة وعسف (?)، فسعى بالقاضي إلى السّلطان، ولبّس عليه فأشخصه لتونس، وكان الكاتب أبو عبد الله الشّيخ محمّد أبو عتّور إبن خالة الشّيخ كمّون وقرينه من صغره، وتعلّم العلم معه، ونشأ على محبّة أكيدة بينهما، فدافع عنه عند السّلطان، وعرّفه مقامه فعفا (?) عنه وعافاه (?) من القضاء وولاّه الفتوى، ورجع لبلده وقد أثّر فيه الخوف وأصابه رعب باطني نشأ منه أمراض عسر علاجها، فمات سنة نيف وسبعين ومائة وألف (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015