وسبب قيامه أنّه لمّا قدم من سفره جلس هو وأتباعه قرب باب البحر على عادة أمثالهم، فمر عليهم أتباع قائد البلد بامرأة يقودونها في أيديهم وهي تستغيث من يخلّصها من هؤلاء الظّلمة، فسأل عن قصّتها، فقيل له: إن زوجها طولب (?) بمال للمخزن ولم يجد ما يعطيه، ففرّ بنفسه، فربطوا زوجه عوضا عنه لكي تعطي ما عليه من الأداء، وكان رجلا ذا همّة ورأي وحذق وشجاعة، فأخذته الغيرة الإسلامية فنزل لأصحاب القائد وقال لهم: أطلقوا المرأة فإنها عورة وفقيرة وزوجها هارب (?) من قلّة ذات يده، ولا يحلّ لكم أن تأخذوا المرأة في زوجها لضعفها وعدم قدرتها على الخلاص، فسطوا عليه بكلام قبيح وتوعّدوه، فأخذ لهم عمودا وضرب كلّ واحد منهم بالآخر، وافتكّ المرأة منهم، وفرّوا هاربين بأنفسهم، ولا زالوا هاربين حتّى دخلوا على قائدهم فرآهم على أسوء حال، فقال: من فعل بكم هذا؟ فقالوا له: أهل البلد، فأمر أن يغلقوا باب الحصار فغلقوه، فلمّا سمع أهل البلد بذلك تحيّروا وخافوا فاجتمعوا وطلعوا / إلى القصبة فوجدوا الباب مغلقا، فما زالوا يرفقون بهم حتّى فتحوا الباب، فسألوهم عن السّبب، فأخبروهم بما جرى لهم من المكّني فقالوا بأجمعهم: لا يصلح بنا هذا ونحن وأنتم فيه سواء فإذا ظفرتم به فافعلوا به ما شئتم، فلمّا سمع المكّني بذلك أجرى مركبه حالا وسافر إلى جربة فاستنفر بها واتخذ أصحابا، وصار النّاس من أهل صفاقس كلّ من تنوبه (?) نائبة يذهب إليه (?) يحتمي به إلى أن كثر جمعه، وكانت الأخبار تتردّد عليه كلّ وقت وحين من أهاليهم وأقاربهم من صفاقس، فلمّا قوي جمعه خاف أهل صفاقس من هجومه عليهم فاحتزم (?) أهل البلد، وكان أكبر مقدميهم إثنان: معلّى (?) والزّواري (?) فأرسلوا إلى المحرس وطلبوا من أهله أنّهم إذا نظروا مركب المكّني أو سمعوا به أخبروهم بذلك، وكانت البلاد في غاية من الضّعف والحفصي على شفا من ملكه والنّاس في حيرة لا يهتدون سبيلا، فلمّا سمع ضعفهم وقوي جمعه مع شجاعته وقوّة بأسه وعدم النّاصر لأهل الجور إرتقب المصيف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015