هذه الواقعة آخر ذي الحجّة سنة تسع وتسعين وتسعمائة (?)، وتقدم هذه الواقعة إشارة إليها من الشّيخ سيدي أبي الغيث القشّاش (?)، وكان من رجال الله، صاحب صدقات وخيرات، وهو أستاذ الشّيخ (?) سيدي عامر المزوغي (?) - رحمه الله ونفعنا بهم وبأمثالهم -، وكان على باب الإنفاق من فيض الله، فينفق على الفقراء، ويعمّر الزّوايا داخل تونس وخارجها، ويفكّ الأسارى، فلمّا رأوا تيسّر الدّنيا عنده، سوّلت لهم أنفسهم مطالبته بمال يستعينون به على مرتّباتهم فأبى، فألجأوه إلى ذلك، فبعث جماعة إلى الجزارين الّذين بتونس وأمرهم بشراء رؤوس الكباش، فاجتمع له منها شيء كثير، فلما وقع ما وقع من قتل العسكر للبلكباشية رآى الناس أنّ تلك الواقعة كانت عقوبة من الله لهم على إكراههم للشّيخ بغير موجب شرعي ولا عادي.
ثمّ إن العساكر تحزّبوا أحزابا وصار لكلّ حزب منهم رئيس فاجتمع عدّة رؤساء وصار كلّ رايس يدعى باسم الدّاي، ومعنى هذه اللّفظة بلغة الترك خالي بلسان العرب وهي تكبرة (?) لمن ينادى بها (?) في عرفهم، فاجتمع منهم نحو ثلاثمائة داي / وإذا حلّ بهم أمر إجتمعوا في القصبة وتشاوروا بينهم إلى أن يتّفقوا على أمر واحد، ولكن لا يتم لهم أمر إلاّ بعد مشقّة لكثرة الخلاف النّاشئ عن كثرة الدّايات.
وكان أكبرهم إذ ذاك إبراهيم داي (?) إشتهر بينهم بشجاعته وكثرة جماعته إلاّ أنّه لم ينفرد من بينهم بالحكم، فمكث على حالته ثلاث سنين، وطلب منهم دستورا لحجّ