قلت: وإلى الآن ما زالوا متمسكين ببغيهم وبدعتهم، وسبب طول مدتهم مع أن العساكر العثمانية - نصرهم الله على كل من عاداهم - هو إشتغال العساكر العثمانية بعدوّ الدّين من النّصارى لقرب داره وخوفا على حوزة الإسلام بخلاف قزلباش فإنه بعيد الدّيار ونكايته أضعف، والسّبب في الحقيقة هو إرادة الله {وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ} (?).
ولمّا استقرّ السّلطان سليم - رحمه الله تعالى - بدار سلطنته سأل عن سبب تأخّر قوافل (?) الذّخيرة عنه فأخبر أن سبب ذلك سلطان مصر الغوري فإنه كان بينه وبين شاه إسماعيل محبّة أكيدة ومراسلات حتى اتهم الغوري بالرفض في عقيدته بسبب ذلك، فصمّم السّلطان سليم على قتال الغوري أوّلا فإذا استولى عليه وعلى بلاده توجّه إلى قتال شاه إسماعيل ثانيا، فتجهّز لأخذ مصر وإزالة دولة الجراكسة (?) منها بقتل الغوري وأتباعه.
والجراكسة جنس من الترك في مشارق الأرض لهم مدائن عامرة، وفيهم الجمال البارع، ولهم في بلادهم أغنام يرعونها ومزارع يزرعونها، وهم أتباع سلطان سراي (?) قاعدة ملك خوارزم، وملوك هذه الطّوائف / لملك سراي كالرعية، فهم يقاتلونهم ويسبون منهم النّساء والأولاد، ويجلبونهم إلى أطراف البلاد والأقاليم، ذكره المقريزي في عقوده، وقد أسلفنا أنهم ملك منهم طائفة مصر بعد الأتراك.
وآخر الجراكسة هو الغوري المذكور، وذكروا لتوليته أمرا غريبا وذلك أن عساكر مصر لما ولّوا (?) عليهم طهمان الملقب بالملك العادل فما استكمل يوما واحدا حتى هجموا