واستولى أبو الحسن المريني على تلك الايالة المؤثلة بما اشتملت عليه من نفيس الحلي وثمين الذخيرة وخطير العدّة وبديع الآنية وفاخر المتاع وصامت المال وضروب الرّقيق، وانقضى تلك الساعة ملك بني زيّان.
ولمّا توجّه أبو الحسن المريني لافريقية واستبدّ أبو عنان بالأمر بعده، ورحل قاصدا دار ملكه، وترك بتلمسان من يقوم له ببعض رسمه، وجرت على أبي الحسن المريني الحوادث المتقدّمة صرف القبيل الزيّاني وجوههم في جملة المنهزمين عن أبي الحسن، وربما جروا عليه الهزيمة ولحقوا بوطنهم وهو شوكة، وقدّموا عليهم عثمان بن عبد الرحمان ابن يحيى بن يغمراسن شيخا قد جرّب الأمور، ومارس الدّهور، شهير الذكر، متحليّا بالانقباض، جانحا للنسك، مشمّرا للتسديد، مستعينا على أمره بأخيه أبي / ثابت، وهو مشار إليه بالبسالة والفتوة، فاستقام الأمر، وأعاد الدّولة، وأقامهم السّلطان أبو عنان سدّا بينه وبين أبيه، ولمّا قدم أبو الحسن المريني الجزائر - حسبما مر - وتوجّه نحو المغرب ناجزوه الحرب، فأوقعوا به، وأثكلوه ولده النّاصر، ونجا منهم وبلغ البلاد المراكشية، فتشاغل أبو عنان بما دهمه من جوار أبيه، فتملّى بنو زيّان الحظ أياما يسيرة ارتاشوا فيها، واكتسبوا (?) الخيول والظهر والعدة ثم خلص أبو عنان بوفاة أبيه فصرف وجهه إليهم، وتحرّك في الجيش الذي يجرّ الشّجر، وحملتهم ضرامة نفوسهم على مناجزته فخالطوا محلته على حين غفلة فكسروا قوتها، وأوهموا هزيمتها، فثبت أبو عنان بأهل الحفيظة وذوي الصّدق، فحمل عليهم غير مبال بهيض جناحيه، فنصر عليهم، فكانت القاضية، وأتى بعثمان وقد أخفى نفسه، وغير زيّه، واتّبع من أفلت منهم مع أخيه وهم شوكة حادثة، فجرّت الهزيمة عليهم ذيلها، وقبض عليه مع أشراف من قومه وأهل بيته، فثقفوا جميعا وقتلوا صبرا، واستولى أبو عنان على الوطن ثانية، وأخذ وجوه ذلك القبيل وأعيانه التشتيت والتمزيق.
فلمّا توفي السّلطان أبو عنان، وولي الأمر ولده الصّبي المسمّى بالسّعيد، واضطرب الأمر، تغلّب جل هؤلاء الزّيانين على الوطن، فدخلوا مدينة تلمسان، وأجفل من كان بها إلى مقرّ ملكهم، فعادت دولتهم، مجتمعين على سلطانهم أبي حمّو موسى بن يوسف