آله وصحبه الذين بنقل آثارهم المرضية، وتصفح سيرهم الزكيّة، نهتدي إلى الصّواب والحق المبين، والتمسك بأذيال شبههم السّنية، نفوز بعين اليقين، إن هذا لهو حق اليقين، وسبحان الله العظيم.
أما بعد فإن علم التاريخ الذي اعتنى بتحريره أساطين حفّاظ الرواة، واشتغل بتنقيحه الأئمة المحققون الهداة، من أفضل العلوم نفعا، وأشرف المزايا قطعا، إذ بمعرفته يكون اللّبيب في دار الغرور على أهبة سفر، وبتعاطيه يكون الموفق دائما على حذر، وفيه للفضلاء النبلاء تذكرة وهن للتهيئ للرحيل، وإيقاظ للغافل (?) من نومة كسله، وتسويفه إلى المبادرة بالتوبة التي هي إلى السعادة أهدى دليل، وتنشيط للمتواني ليتلافى (?) ما بقي من عمره فإنه نزر (?) قليل، وفيه مع ذلك امتثال لقوله صلّى الله عليه وسلم «ليبلغ الشاهد الغائب» أو كما قال: «فإنه علم شامل لتبليغ جميع ما فيه نفع للخلق، من أحكام ومواعظ وكل نافع من الكلام»، وقالوا: «من كتب وقائع أيامه فقد كتب كتابا لمن بعده، ليشاهد حوادث دهره وأعوامه، ومن قيّد ما شاهد فقد أهدى لمن بعده أسرارا، ومن كتب التاريخ فقد زاد في عمر من يخلفه أعمارا، وبوّأه بسماعه (?) ديارا لم تكن له دارا، وأحلّ أهل الآفاق بلادا ما كانت لهم منزلا ولا قرارا. شعر (?): فإنني إن لم أر الديار بعيني، فلعلّي أرى الدّيار بسمعي، ولقد أفادنا الأمم الماضون بأخبارهم، وأطلعونا على ما دثر وما بقي من آثارهم، فأبصرنا ما لم نشاهده بأبصارهم، وأحطنا بما لم نحط به خبرا بأخبارهم، فحق على من تيسر عليه نقل ما شاهد، وسمع ما لم يشاهد أن يبلّغ من بعده كما بلغه من قبله كما قال: «لقد غرسوا حتى أكلنا وإننا، لنغرس حتى يأكل الناس بعدنا».
هذا وقد سألني بعض اخواننا من أهل العصر لما سمع بعض مغازي الصحابة الأعلام - رضي الله تعالى عنهم - حين فتحوا المغرب الفتح الأول، ومغازي المجاهد في سبيل الله عبد المؤمن - رحمه الله - لإفريقية الفتح الثاني لما استولى عليه الكفار من البلاد البحرية، ومغازي العساكر العثمانية لتونس عند الفتح الثالث لما استولى عليها الكفرة (?) فاستنقذوها - رحم الله أسلافهم وأخلافهم وقرن النصر براياتهم -، وطلب مني تقييد شيء من ذلك مع تقييد شيء من أحوال أمراء الإسلام القائمين بحفظ المغرب من الفتح الأول إلى الآن،