شخاخه بكنز إن ذا الخير كثير، فلمّا أصبح أعطاه ثمانمائة ريال وقال: خذ هذه إستعن بها على زمانك، فنزل بها فما أتى الليل إلاّ وقد فرّق جميعها، ثمّ جهّزه الباشا واعتقده، وبنى له زاوية (?) بصفاقس داخل البلد تحت السّور في جنوبيها شرقا من باب البحر وهي معروفة. وبنى الشّيخ هناك قبرا كان أعدّه لدفنه، فمات الشّيخ سيدي محمّد المصري أحد مريديه فآثره به (?) ولمّا حضرته الوفاة دفن خارج البلد على شاطئ البحر وقد صار الآن بوسط الربض وبنى عليه أهل الخير قبّة (?) مشهورة به، وتصدّق عليه بعض أهل الخير / بداره فبيعت وبني بها تلك الآثار المحيطة بقبّته.
وضاق به الحال مرّة من كثرة الزّائرين، فخرج يوما من باب البحر فلقيه رئيس (?) جربي فقال له: إعطني سلما (?) على خمسين قفيزا من الشّعير لدرس الأندر، فقال: وأين نادرك؟ فأشار إلى نادر كبير، فاطمأنّ الجربي ونقد ثمن الخمسين قفيزا، فلمّا درس النّاس أندرهم جاء الجربي إلى النّادر فوجد النّاس يدرسون فقال: أين الشّيخ كمّون صاحب النّادر؟ فقالوا له: ذاك فقير، ليس هذا له، فأشفق الجربي وأيس من ماله فذهب هائما، فلقي الشّيخ فقال: يا شيخ، النّادر لغيرك فأين الشّعير؟ فقال: كن هانئا وعن قريب يأتيك خلاصك، فاحتار الجربي وبقي بين الخوف والرّجاء، فبعد أيّام وإذا به أتاه وقال: أين تضع الشّعير؟ فقال له: في السّفينة وهي على شاطئ البحر، قال: فإذا بثلاثين جملا محمّلين شعيرا، فقال: ها هو شعيرك، فقال: وما تجيء هذه من الخمسين قفيزا؟ قال: تحصل البركة وتأخذ حقّك بالوفاء والتّمام، أرح قلبك وكن هانئا، وأحضر الكيلة (?) واكتال حتّى وصل ستّين قفيزا فقال الجربي: هذا ما تحمل سفينتي وليس عندي ما ندفعه في الزّائد، فقال له الشّيخ: لو سكتّ لكثر خيرك ولكن هذا نصيبك والعشرة زائدة على الخمسين خذها لوجه الله.