فإن كنت بين الناس غير ممول ... فأنت من الفهم المصون ممول

إذا أنت خاطبت الخصوم مجادلاً ... فأنت وهم مثل الحمائم أجدل

كأنك من في الشافعي مخاطب ... ومن قلبه تملي فما تتمهل

وكيف يرى علم ابن إدريس دارساً ... وانت بإيضاح الهدى متكفل

تفضلت حتى ضاق ذرعي بشكر ما ... فعلت وكفي عن جوابك أجمل

لأنك في كنه الثريا فصاحةً ... وأعلى ومن يبغي مكانك أسفل

فعذرك في اني أجبتك واثقاً ... بفضلك والانسان يسهو ويذهل

وأخطأت في انفاذ رقعتك التي ... هي المجد لي منها أخير وأول

ولكن عداني أن أروم احتفاظها ... رسولك وهو الفاضل المتفضل

ومن حقها أن يصبح المسك عاطراً ... بها وهي في أعلى المواضع تجعل

فمن كان في أشعاره متمثلاً ... فأنت امرؤ في العلم والشعر أمثل

تجملت الدنيا بأنك فوقها ... ومثلك حقاً من به تتجمل

ومن المراثي الجيدة أبيات ذكرها ابن خالكان في تاريخه (وفيات الاعيان) لابي اسحاق ابراهيم بن عثمان الغزي الشاعر المشهور رثى بها ابا الحسن علي بن محمد الطبري الملقب عماد الدين المعروف بالكيا الهرسي الفقيه الشافعي وهي:

هي الحوادث لا تبقي ولا تذر ... ماللبرية من محتومها وزر

لو كان ينجي علو من بوائقها ... لم تكسف الشمس بل لم يخسف القمر

قل للجبان الذي أمسى على حذر ... من الحمام متى رد االردى الحذر

بكى على شمسه الإسلام إذا افلت ... بأدمع قل في تشبييها المطر

حبر عهدناه طلق الوجه مبتسماً ... والبشر أحسن ما يلقى به البشر

لئن طوته المنايا تحت أخمصها ... فعلمه الجم في الآفاق منشر

سقى ثراك عماد الدين كل ضحىً ... صوب الغمام ملث الودق منهمر

عند الورى من أسى أبقيته خبر ... فهل أتاك من استيحاشهم خبر

أحيا ابن ادريس درس أنت تورده ... في نظمه الأذهان والفكر

من فاز منه بتغليق فقد علقت ... يمينه بشهاب ليس ينكدر

كأنما مشكلات الفقه يوضحها ... جباه دهم لها من لفظه غرر

ولو عرفت له مثلاً دعوت له ... وقلت دهري إلى شرواه مفتقر

ومن جيد الثناء وفائق المديح ما قال ابو تمام في محمد بن حسان الضبي

بمحمد سار الزمان محمدافينا وأعتب بعد سوء فعاله

بمروق الأخلاق لو عاشرته ... لرأيت نجحك في جميع خصاله

من ودني بلسانه وفؤاده ... وأمالني بيمنه وشماله

أبداً نفيد غرائباً من ظرفه ... وراغائباً من جوده وفعاله

لك شاهد من قلبه بل حالف ... متبرع أن العلى من باله

وسألت عن أمري فسل عن أمردوني فحالي قطعة من حاله

لو كنت شاهد بذله لشهدت لي ... بوارثة أو شركة في ماله

وقوله في مالك بن طوق وأحسن:

أقول لمرتاد الندى عند مالك ... تعوذ بجدوى مالك وصلاته

فتىص جعل المعروف من دون عرضه ... سريعاً إلى الممتاح قبل داته

ولو قصرت أمواله عن سماحه ... لقاسم من يرجوه شطر حياته

ولو لم يجد في قسمة العمر حيلةً ... وجاز له الإعطاء من حسناته

لجاد بها من غير كفر بربه ... وواساهم من صومه وصلاته

للحسن بن وهب الكاتب وهي من ظريف الشعر:

أبت مقلتاك لفرط الحزن ... عليك الرقاد وبرد الوسن

وحق لعينيك أن لا تناما ... وقلبك مختلس مرتهن

وبين الجوانح داء دفين ... لعمرك مستتر قد كمن

نجي الهموم وقرن الكلوم ... ووهي الحلوم وبعد الوطن

شديد النفار كثير العثار ... خليع العذار يجر الرسن

أفي كل يوم تطيل الوقوف ... تناجي الديار وتبكي الدمن

وتستخبر الدار عن أهلها ... وتذري الدموع على من ظعن

كأنك لم تر فيما مضى ... من الدهر ذا صبوة مفتتن

عذرتك أيام شرخ الشباب ... وفرعك نضير الغصن

فأما وقد زال ظل الشباب ... عنك وولى كأن لم يكن

وألبسك الشيب بعد الشباب ... قناع بياض كلون القطن

وصرت قذى في عيون الحسان ... يخنك عهداً وان لم تخن

ويصدفن عنك إذا رمتهن ... وكنت لهن زماناً سكن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015