ولما توافينا وقد غابت كاشح ... ونام رقيب واطمأن من القدر

أماطت عن الوجه المنير لثامه ... فأشرق منه البدر إذا بسم الثغر

تزود عن المرجان في صحن خدها ... حياءً بأجفان لها النهي والأمر

وأزرت قضيب البان لما تمايلت ... بأعطافها الحسنا يرنحها سكر

وأعجب مما في الجبين رأيته ... ظلاما وصبحا لاح بينهما بدر

فلولا ظلام الشعر لاح لنا الضيا ... ولولا ضياء الوجه جن بنا الشعر

فباتت تعاطيني المدلم صبابة ... ومن ثغرها الألمى المدامة والخمر

تدير الحميا بالظلام على سنى ... وأضممها شوقاً فينعطف الخصر

وما راعني إلا الصباح مفاجئاً ... وقد ذهب الديجور مذ طلع الفجر

ولما اعتنقنا للتودع وانقضت ... لويلتنا رحنا وأدمعنا بحر

وقمت عليلاً بالغرام مقيداً ... وأودعتها قلباً تلظى به الجمر

وكتب مجاوباً لنصر الله بن فتح الطرابلسي الحلبي ولم يكن احدهما لقي الأخر:

ورد الكتاب مسرحاً ومسطراً ... بحديث محبوب عشقت ولم أر

وافي وكان ورده ورداً لذي ... ظمأ به الغرام وأسعرا

ففضضت منه ختامه ولطالما ... فاضت دموع قبله لن تنكرا

ولثمت محياه فأشرق ثغره ... ورشفت كأساً من لماه معطرا

وثملت لما رشفت سلافة ... صهباء حب لا سلافاً أصفرا

أهدي إلى المشتاق نشأة مغرم ... فاحت رياح الشوق منها عنبرا

فكأن أسطره ذوائب غادة ... هيفاء لاحت من ترائب قيصرا

أو أن أحرفه مراشف أعين ... تعطي الرحيق معللا ومقطرا

وقلائد العقيان خلت جمانه ... أو ثغر محبوب تبسم جوهرا

أربي على سحبان سحب فصاحة ... لو شامها الكندي عاد مؤخرا

وكذا ابن ساعدة الأيادي لو رآ ... هـ لعاد منه مخجلاً متسترا

رق النسيم للطف معناه كما ... شهد الفؤاد فصاه لما قرا

يا حسن بق من محياه بدا ... عن نصر فتح الله لاح مخبرا

نشأت بنصر الله روح صبابة ... وأبى الفؤاد لغيرها أن يذكر

فرع لفتح الله أينع مخصباً ... بحديقة الآداب شب وأثمرا

ولذا اسم قلبي حين أشبه قلبيُ ... قلناه صرف الحب لما أن طرا

فإليك يعزى الفضل يا من لاح لي ... منه الوداد ولم يراني ويصرا

قراباً لدار كنت فيها وحبذا الش ... هباءُ نصر الله فيها قد سرى

واهاً لها لما حللت ربوعها ... رغداً وآهاً من بعادك أوفرا

يا ليت لا كان البعاد ولا النوى ... ياليت لا شط المزار ولا الذرى

أواه من حر البعاد وطالما ... جار البعاد على الأحبة وافترى

خذها لقد وافت من ابن كرامة ... برسائل الأشواق تهدي الأسطرا

تنبيك عن حب سماعي الهوى ... متجاوز حد القياس لدى الورى

فأجابه نصر الله المذكور من البحر والقافية بقوله:

زند القريحة مذ علقت بكم ورى ... يا من شهدت بحبهم بين الورى

وجعلت شخهم أمامي قبلة ... هيهات أن أرضى الرجوع إلى الورى

لولا توقع ضيف طيف خيالكم ... ليزورني زوراً لما اشتقت الكرى

كلا ولولا بارق من أرضكم ... ما أرسلت عيني سحاباً ممطرا

يا من كلفت بهم ولم أرى وجههم ... إني أراه بالفؤاد مصورا

ما كنت أشتاق النسيم هبوبه ... إلا لعلمي أنه عندكم سرى

فسقى طرابلس السحاب ليهُ ... سحاً وتهتاناً يرى متفجرا

بلد كأن الدهر عاندي بها ... فاستاق أهلي قبل أن أطأ السرى

لو فاخرت كل البلاد بأن في ... ها بطرس لكفا بذلك مفخرى

الأوحد ندب الفريد الأمجد ... الندس المجيد الألمع الأنورا

أقسيم روحي بل حشاشة مهجتي ... بل تاج أرباب الكمال بلا مرا

وفي كتابك موضحاً لبلاغة ... لو ناظرت ذاك الصفا تكدرا

وثملت لما أن رأيت جماله ... فغدوت معروفا وكنت منكرا

في ضمنه عربية قد أعربت ... نظماً فما طائيهم والشنفرى

وأهاجت الأشواق مني ظاهراً ... إذ كان حبي بل ذلك مضمرا

وغدا بقلبي لوعة فكأنها ... بين الجوانح نار أسعد للقرى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015